يعتقد الكثيرون أن الإنسان لا يملك الحرية لاختيار معتقداته؛ لأن العقل يتلقَّى المعلومات ويعالجها، ثم يُكوِّن معتقداته الخاصة، ولا يمكنه بناء المعتقدات الإيجابية بحرية. إنهم يرون أن الأمر كله يعتمد فقط على المعلومات التي حصل عليها العقل. إذا كان هذا الرأي صحيحاً، فمن الخطأ أن نُصدِر أحكاماً على شخص ما بناءً على معتقداته؛ لأنه لا يتمتع برفاهية الاختيار!
وفي المقابل، يرى آخرون أن معتقدات الإنسان وآراءه تعتمد بشكل كبير على مدى قدرته على الاختيار. وقد ثبت عبر الزمن وبالتجربة أن المعرفة الإنسانية ليست ثابتةً، فكم من حقائق كُنَّا نظنها صحيحةً ثم أثبتت الاكتشافات الحديثة أنها كانت خاطئةً! وعلى العكس من المعرفة، لا تحمل المعتقدات قدراً من عدم التأكد. ولكي تنتقل من مرحلة المعرفة غير المؤكدة إلى الاعتقاد الراسخ، نحتاج إلى معلومات إضافية واستنتاجات تُمكِّننا من سَدِّ الفجوة. وهنا يظهر دور الاختيار في بناء المعتقدات وترسيخها؛ فأنت تختار بإرادتك الحرة أن تبني معتقداً ما، ومن ثمَّ تبحث عن المعلومات التي تدعم اعتقادك وتجعله مقبولاً من الناحية العقلية والمنطقية.
بناء المعتقدات الإيجابية
من هنا، تظهر أهمية المعتقدات الإيجابية؛ لأنها تدفعك نحو السعي لإثبات صحتها، وتجعلك تتبنَّى أفكاراً إيجابيةً تساعدك على إثبات صحة معتقداتك.
على سبيل المثال، إذا اعتقدت أن هذا الموقع الإلكتروني الذي تقرأ فيه هذه المقالة ليس على المستوى المطلوب من النجاح، فسوف تبني على الفور مجموعةً من الحقائق التي تدعم اعتقادك، ومن بينها ما يلي:
المواقع الأخرى أسرع تطوُّراً.
هذا الموقع لا يُقدِّم مواضيع ممتعةً.
يفتقد مسؤولو الموقع الخبرة اللازمة.
أما إن اعتقدت أن هذا الموقع الإلكتروني سوف ينجح ويتطوَّر، فستضع قائمةً من الحقائق التي تدعم اعتقادك، ومن بينها ما يلي:
يضمُّ الموقع عدداً كبيراً من المشتركين والمتابعين.
يتفاعل زوار الموقع بإيجابية مع المنشورات.
يضمُّ الموقع مقالاتٍ مفيدةً ومنتشرةً على المواقع الأخرى.
ينمو الموقع باستمرار.
قد يكون جميع ما ذُكِر في القائمتين أعلاه صحيحاً، ولكن اعتقادك هو الذي يحدد اتجاهك والقائمة التي تتبنَّاها من القائمتين. فعندما تنزع إلى الاعتقادات السلبية، تفقد بذلك ثقتك بنفسك، وتميل إلى الاقتناع بالحقائق التي تدعم اعتقادك. وعندما تؤمن بالنجاح، تظهر أمامك الحقائق الإيجابية فقط.
وعلى الرغم من أن المعتقدات الإيجابية لا تضمن النجاح، فإن النجاح لا يتحقق من دونها، ليس بسبب المعتقدات نفسها؛ ولكن بسبب سلسلة الأفكار والتصرفات التي تتولَّد نتيجة المعتقدات الإيجابية. فعندما تؤمن بنجاحك، تبذل أقصى ما تستطيع للتغلُّب على العقبات التي تواجهك، وحَلِّ المشكلات التي تتعرَّض لها بطرق جديدة ومبتكرة.
والسؤال المطروح الآن هو: كيف تتحكَّم في معتقداتك؟ وهل يمكنك بناء المعتقدات الإيجابية بحرية؟
يكمن سرُّ بناء المعتقدات الإيجابية في إيمانك بأن التحكُّم في المعتقدات أمر ممكن الحدوث؛ فلا يجب عليك الخضوع لأيِّ فكرة تسيطر على عقلك، ولكن يجب عليك تصفية الأفكار، والاحتفاظ بما هو إيجابي فقط، والتخلص من كلِّ ما هو سلبي. ولا تَنسَ أن إيجابية معتقداتك لا تمنع من تعرُّضك للفشل، واعلم أن النتائج قد تكون أكثر سوءاً إذا كانت أفكارك ومعتقداتك سلبيةً منذ البداية.
ولا شك أن المعتقدات تؤثر في الحالة الشعورية لصاحبها؛ لأن بناء المعتقدات الإيجابية يُولِّد إحساساً بالسعادة، بينما المعتقدات السلبية تُولِّد إحساساً بالحزن والاكتئاب.