في صغري، كانت شخصيتي هادئة. قررت أن أشاهد العالم وتجاربه، لا أن أعيشها. لذا، أظن أن قدرتي على التواصل في بداية حياتي كانت خافتة، ليس لأني لم أجد شيئًا لقوله، بل لأنني كنت فقط خجولاً، ولم أفهم قيمة آرائي.
في طفولتي، كنت أختار كلماتي بعناية، وأقرر بذكاء متى أدلى بأفكاري وآرائي في نقاشات الكبار. صدمني بشدة أنهم كانوا يكملون حديثهم، ويضمنون فيه ما قلته.
أومن أننا قد نتعلم الكثير من آراء الأطفال؛ لأنها تخرج عفويا دون انتقاء، ولكن الأطفال أيضا يرون العالم بشكل مختلف. شاهدت مؤخرًا برنامجًا على التلفاز ينخرط فيه الأطفال في مناقشات عن موضوعات مختلفة تخصّ الحياة، ووجدت أن منظورهم يفعم قلبي بالحياة بطريقة مميزة!
ربط النقاط
في صغري، أحببت كل ما يتعلق بالكتب المصورة، والشخصيات، وتعلم كلمات جديدة، ومعرفة معانيها. كنت مشهورا بين أصدقائي وعائلتي بدودة الكتب!
وحين بلغت العاشرة، قررت أن أكتب قصة مغامرة عن تجميع خواتم مصنوعة من الأوراق من أماكن خيالية متنوعة. كانت قصة تفاعلية يحتاج فيها القارئ (زملائي بالفصل) لأن يرفعوا طيات الأوراق، أو أن يحلوا لغزا ليجدوا الخواتم.
حينها، لم أكن أعرف التأثير الذي قد يحدث من جراء الكتابة عني أو عن غيري من الناس. حتى يومنا هذا، ما زلت أحتفظ بالكتب. لقد كانت الكتب هي القوة التي تحرك حياتي، وأظنكم كنتم كذلك.
تمهيد الطريق
في أثناء حصولي على درجتي البكالوريوس والماجستير في علم النفس، بدأت أعبر عن نفسي بثقة عبر التواصل الشفهي والكتابي. وقد ساعدني ذلك أن أفهم قوة التواصل بشكل أكبر.
أدركت بذلك “أن الحياة تواصل، ولكنه ليس تواصلاً عبثيا؛ بل إن التواصل الناجح ينقل احتياجاتك، بأفكارك، وآرائك، ومشاعرك. ويجب أيضا أن يُدخِلك في نقاشات طبيعية دون أن يجعل عاطفتك تتحكم فيك. وعليه أن يسمح لك برؤية الأشياء من منظور الآخرين، سواء كنت تتَّفِق معهم أم لا؛ لأن ذلك قد ينقل إليك معرفة جديدة”.
حين أنظر إلى الماضي، أربط نقاطي بعضها ببعض في الحياة؛ فهل يمكنك أن تربط نقاطك؟!
تقوية تواصلك
قرأتُ مقالاً عنوانه “فن التواصل”، استخدم فيه تشبيه يسمى “الارتشاف” ليساعدك على أن تكون مستمعا جيدا. وضح المقال أن عليك أن تأخذ رشفة حقيقية أو مجازية؛ كي تتعلم من الآخرين. بجانب الأشياء الأخرى، ساعدني ذلك على أن أفكر فيما تعلمته من أجل تقوية تواصلي.
أصغ جيدا
نظن دائمًا أننا دائمًا محقون. حسنا، في الحياة كثيرون يشبِوننا في التفكير، وآخرون يفكرون بطريقة مختلفة. يجب أن نفهم هؤلاء الآخرين، وهذا الأمر قد يكون صعبًا. فكِّر لتفهم ما يقوله الآخرون، واكتسب معرفة جديدة، فَتَعرف الكثير عنهم أكثر مما تنطق به أفواههم. سيساعدك ذلك على فهم شخصياتهم، ومبادئهم، وآرائهم؛ مما يُقوِّي التواصل بينكم.
فكر مليا
جميعنا مشغولون في هذه الحياة، ننتقل من عمل لآخر دون أن نعرف ماذا نفعل! لذا، يجب أن تفكر مليا في تفاعلاتك مع الآخرين. فكر فيما تكشفه لغة جسدك، ومزاجك، وطاقتك الإشعاعية من نفسك للآخرين.
لا أريدك أن تستخدم هذه الطريقة لتبالِغ في تحليل كل ما تفعله؛ بسبب كلمة “مليا”؛ ولكن يجب أن تكون واعيا بنفسك التي تقدمها للآخرين في أي موقف كان.
فكر فيها آمن بها قلها
تمتلئ رؤوسنا كل يوم بآلاف الأفكار، نهتم ببعضها، ونهمل البعض الآخر. استمع إلى صوتك الداخلي، ووجهه للشخص المناسب. كثيرًا ما نستخدم كلمات محفوظة لنعبر عن مشاعرنا. اعتدت مثلاً أن أستخدم “أنا بخير”، أو “على ما يرام”، رغم أنني في الحقيقة لم أكن بخير أو على ما يرام!
هل تستخدم هذه الكلمات لتمنع نفسك من معرفة ما تشعر به بحق؟! إذن، أقترح أن تفكر في كلامك بروية، ثم تؤمن به قبل أن تقوله. لا أعني أن تسرد قصة حياتك لكل من يسمعك، بل فقط كن صريحا باعتدال.
يا لَلمفارقة!
من المفارقة أن قوة التواصل لدي كانت صامتة، وأنني الآن أعمل مدرسا، وأستخدم صوتي طوال الوقت! أترون كيف أربط النقاط بعضها ببعض؟! لكن التدريس ليس كلامًا فقط، بل أيضًا فهم وإصغاء (والكثير الكثير من الأوراق).
حسنًا، إليكم ما أود منكم فعله. التزموا بنصيحتي عن تقوية التواصل، ولاحظوا تأثيرها في حياتكم. ما الذي عرفتموه عن الآخرين؟ ماذا عرفتم عن أنفسكم؟ هل بنيتم علاقاتٍ أقوى مع الآخرين؟ أحب أن تشاركوني حكاياتكم!
بينما نستكشف هذا الشيء الرائع، المسمى الحياة، كثيرا ما نتساءل: كيف يعيش البعض حياته، بينما لا يعرف الآخرون شيئًا عنها؟! ربما تكون قوة التواصل إحدى الإجابات التي تحسن اكتشافك للحياة.
“الحياة كالزهرة، إذا تفتَحت بتلة من بتلاتها (بتلة التواصل في هذه الحالة)، رأينا الحياة بوضوح!”