تقول ماندي هيل: “السعادة هي الاستغناء عن مفهوم الحياة التي رسمتها لنفسك، والاستمتاع بها كما هي بكل تفاصيلها”.
في طفولتنا، نتخيل بكل حماسٍ شكلَ الحياة التي سنعيشها في المستقبل، الحياة التي نرغب فيها. فنبني الكثير من الآمال، إلا أن الرياح لا تأتي غالبًا بما تشتهي السفن.
تدور بنا الحياة وتمضي لتخلقَ طُرقًا جديدةً، وتُحدث أشياء قد تخالف الصورة التي رسمناها للحياة في مخيلتنا، وربما تكون هذه الأشياء جيدة أو سيئة.
إذنْ كيف يمكننا التعامل مع تلك الأحداث غير المحببة والمتناقضة مع ما في مخيلتنا؟
لا بأس من الحزن على الحياة التي رسمناها لأنفسنا في مخيلتنا ولم تتحقق.
الأمراض الخطيرة، والإعاقة، والمرض المزمن، تُعَد بعض الصعوبات التي نواجهها في حياتنا، فجميعنا له ظروفه الخاصة التي قد تختلف أو تُشبه هذه الظروف.
لم أتخيلْ يومًا أنني سأعيش ضمنَ ما أُسَمِّيه الآن “الجحيم” بالنسبة لي، هذه الحياة ليست كالتي تخيلتها لنفسي يومًا، وما كان ينبغي أن تكون حياتي هكذا، فالعديد من الأشياء لم أكن أتخيل أنها من الممكن حدوثها لي، ولكنها حدثت بالفعل، وما زلتُ أعيشها حتى الآن.
قد يكون من الصعب أن نتخلى عن الحياة التي رسمناها لأنفسنا، فهناك دائمًا إحساس بالسخط، وكثيرًا ما نسأل أنفسنا: لماذا أنا بالذات؟ لماذا يحدث معي هكذا دومًا؟ لماذا لا أستطيع أن أفعل ما يحلو لي، أو أملك ما أرغب فيه؟
اعلم أنه لا بأس من الحزن على فقدان ما كنت تملكه ثم لم تعُد، أو عمَّا كنت ترغب أن يحدث ولم يحدث، سواءً أكان أمورًا ماديةً أم معنويةً. ولكن عليك إعلان الحداد فترة حتى ينقضي هذا الحزن، لتعود لمواجهة الحياة بقوة أكبر.
لا بُدَّ أن يأتي وقت للتقبُّل
عندما لا تسير الأمور على ما يُرام -وتستمر الحياة في إدهاشنا بمتاعبها، ويصبح من السهل الانحدار في طريق اليأس، وتوقُّع أن غدًا سيجلب المزيد من الألم، والتعب، والقيود- ستشعر بالإحباط وخيبة الأمل في الحياة التي تراها غير عادلة على الإطلاق.
هذه المشاعر طبيعية عندما نمر بمحنة ما، ولكن لا ينبغي أن نعيش بها مدى الحياة. يجب أن يحين وقت لتقبُّل تلك المِحن، وعند تلك اللحظة نستطيع المُضي قُدُمًا في حياتنا، وأن نستشعر السعادة فيها.
للأسف، فأنا أعيش بمرض مزمن، يحدث الكثير من الآلام المبرحة، والتعب، والقيود في حياتي، أكثر بكثير مما كنتُ أتخيل. فمن المؤلم ألا تستطيع فعل الأشياء التي كنت تستطيع القيام بها سابقًا، أو لا تستطيع فعل الأشياء التي ترغب فيها بشدة. لكني مع ذلك ما زلت أحيا حياةً سعيدةً ومُرضِيةً.
أبحثُ دومًا عن الأشياء التي يمكنني القيام بها -بالرغم من مرضي المزمن- حتى أستطيع أن أشعر بطعم السعادة، وأجد المتعة في هذه الحياة. فأُعَبِّرُ عن مشاعري بالكتابة، أو أمدُّ جسدي بالطعام المغذي، أو أَعْمَلُ بكدٍّ قدرَ الإمكان، أو أستمتع بأشعة الشمس بالخارج، جميعها أمور تضفي معنًى إلى حياتي وتساعدني لأشعر بالسعادة، وتقبُّل حقيقة الأمور كما هي عليه؛ لأمضي قُدُمًا في طريقي.
سل نفسك، ما الذي يجعلك غير قادر على التقدم حتى الآن؟ ما المتعة التي تجنيها وأنت تندب ما خسرته، ما الذي يمكنك فعله للاستمتاع بحياتك إذا تقبلتها كما هي وقررت أن تجعلها أفضل؟
عِش جمال اللحظة
عَيْش الحياة لحظةً بلحظةٍ قد يكون من أكثر أشياء -التي يمكننا بلوغها- صعوبة.
ما زلتُ أَمُرُّ بأوقات أتمنى فيها لو أن حياتي كانت مختلفة، كأن تكون خاليةً من ذلك المرض المزمن مثلًا، وأحيانًا أَعْلَق في دوامة “ماذا لو؟”، وكيف كان من المفترض أن تكون حياتي؟
لكن إن استمررتُ في التركيز على السلبيات الموجودة في حياتي فقط، فلن أتمكن من رؤية الإيجابيات أبدًا، والتي ما تزال حاضرة بوفرة، كحُب عائلتي وأصدقائي ودعمهم الدائم لي.
بالرغم من أن مرضي المزمن حطمني كثيرًا، فإنه كان السبب في التعجيل بنضجي، وإعطائي القدرة على مجابهة مصاعب الحياة. علَّمني الاستمتاع بالحياة في جميع أطوارها وأشكالها، وعلَّمني أنه من الضروري التقدُّم بخطوات إيجابية كل يوم؛ لخلق حياة صحية، وأكثر سعادة، بالتركيز على ما هو جيد في حياتي؛ لأنه دائمًا موجود، ولكن ينبغي علينا النظر بتمعن.
أما زلتَ لا ترى الإيجابيات؟ سل نفسك من وقف بجانبك في رحلتك تلك للوصول إلى التقبُّل؟ وكذلك ما الذي تعلمتُه من الحياة أو من نفسي خلال هذه التجربة؟
كذلك كن شغوفًا لخلق أشياء جيدة في حياتك، ابدأ –مثلًا- بممارسة هواية جديدة، أو اهتم بمتابعة ما يهمك من الأمور، أو تعلم مهارة جديدة، أو داوم على الخروج مع أصدقائك أسبوعيًّا للتنزُّه أو لشرب القهوة؛ ذلك سيقلل من المساحة التي تنغمس فيها في التفكير بأمور سيئة، وأفكار مُحبِطة. استمتع بحياتك على ما هي عليه الآن؛ لأننا لدينا حياة واحدة لا غير، فَلْنَعِشْهَا كما ينبغي.
دورُكَ الآن، ما الذي يجب عليك التخلي عنه لتعيش حياةً سعيدةً؟