حينما بلغت معاناتي أقصاها، أدركتُ أن هناك طريقتين للتجاوب مع هذا الموقف؛ إما أن أكتئب، أو أن أسعى لتحويل المعاناة إلى قوة إبداعية! ولقد قررتُ أن أتبع المسار الأخير
مارتن لوثر كينغ جونيور
عندما أُجبِرت على الخضوع لانسحاب من مُخدِّر قويٍّ يضعني في رحلة شاقة وقاسية، أمُرُّ فيها بالكثير من المعاناة، فكرتُ طويلاً كيف أُضفِي معنى على هذا الجزء من حياتي.
في الأيام الأولى من انسحابي، حين كنتُ أحاول فهم الأمر، عرفت القليل من الأشياء: أنني أريد أن أقضي حياتي مُنتِجًا، وأنني أريد أن أُعبِّر عن نفسي بإبداع، وأنني أريد أن أكون شخصًا ناضجًا، وأن أكون قوة تغيير إيجابية في هذا العالم.
جذبتني الكتابة؛ لذلك نشرتُ مُدوَّنة، وقضيتُ ساعاتٍ كثيرةً أكتب، وأنسج شيئًا يُضيف قيمة ما لحياة الآخرين.
لا أريد من هذا المقال أن أتحدَّث عن إنجازاتي، ولكن أريد تحويل المعاناة إلى قوة إبداعية. إنما هذه لمحة سريعة عن كيفية نجاحي، وكيف صار الأمر؛ لكن هناك بعض النقاط التي أود توضيحها.
في أثناء انسحابي، عايشتُ بعض الأعراض الجسدية الخطيرة والمُوهِنة، حتى إنني لا أتمنَّاها ولو لأكثر أعدائي شرًّا. لقد كان الأمر قاسيًا بشدة، ولكنني بعدها أدركتُ أن الألم الجسدي حتميٌّ. أما الألم الذهني، فمن اختياري أنا. يمكنني أن أختار الانغماس في الألم واليأس أو المُضِيَّ قُدُمًا لأعيش الإيجابية في كل لحظة؛ لذا اخترتُ الأخير، فمنحني ذلك شعورًا عارمًا بالحرية.
هذا ما يجب أن نفهمه عن المعاناة: “المعاناة طاقة انفعالية خاملة. إن استطعتَ تحويلها إلى قوة إيجابية، وتمكنتَ من تسخير مشاعرك وتحويلها إلى وقود إبداعي، فستُؤتي الكثير من ثمار النجاح”.
لولا مروري بالانسحاب، ولولا المعاناة، لما امتلكتُ أي شغفٍ بالكتابة؛ لأن حُبِّي للكتابة قد ازداد تدريجيًّا، وساعدتني الكتابةُ على فهم نفسي، ووضَّحتْ لي مبادئي وفلسفتي في الحياة، ومكَّنتني من رسم رؤية واضحة وصادقة عمَّا أريد من الحياة. لقد غيرتني الكتابة تمامًا!
منحتني كتاباتي الفرصة لأفهم نفسي جيدًا، وأُطوِّرها بطريقة واقعية وشخصية. لقد كانت الكتابة لي إحدى نِعَم المعاناة!
لقد كنتُ محرومًا -بسبب قسوة الانسحاب- من الاستمتاع بحياتي، أو ممارسة ما أريد؛ كالتواصل مع الآخرين، والتمارين، والنوم، والاستحمام، إلخ. والآن منحتُ نفسي حق الحياة بفضل الكتابة.
الآن ممارسة التمارين عادةٌ لم أكن قادرًا من قبلُ على ممارستها، والآن أستمتع بالاستحمام؛ لأن بشرتي كانت حسَّاسة جدًّا، وكان الاستحمام يُسبِّب لي آلامًا شديدة. الآن، أستمتعُ بمقابلة أصدقائي بعدما كان ممنوعًا أن أُفكِّر في الأمر.
يقولون إن السجن هو المكان الذي يمنح فيه المرءُ نفسه حقَّ الحياة. لقد كان الانسحاب هو سجني. أما الآن، فإن حياتي أفضل كثيرًا، وقد تعلمتُ أن أكون شاكرًا لكل الأشياء الجميلة في الحياة.
كانت تلك بلا شك إحدى أكثر فترات حياتي اضطرابًا. لم أُجرِّب كل هذا القدر من المعاناة من قبل، سواء جسديًّا أو ذِهنيًّا، أو عاطفيًّا أو رُوحيًّا؛ ولكن قراري بتحويل تلك التجربة إلى تجربة إيجابية كان السبب في أنها الآن من أفضل ما حدث في حياتي أيضًا!
في تلك التجربة، كان الأمر فوضويًّا، ولم أجد شيئًا أفعله. أدركتُ ذلك، ووعدتُ نفسي أنني إن لم أستطع تغيير الظروف حياتي الخارجية، فسأُغيِّر حياتي الداخلية. وبعدما اتَّخذتُ ذلك القرار، تطوَّرتْ شخصيتي، وصِرْت إنسانًا أفضل، وكاتبًا أفضل. لقد صِرْت مهووسًا بالتنمية الذاتية، بعدما سخَّرتُ معاناتي لتغيير نفسي وحياتي للأفضل.
ولأوضح لك كَمْ غيَّرتْ تجربةُ الانسحابِ حياتي، فقد كان فبراير الماضي هو الشهر الثالث عشر منذ انسحابي. وإن اضطررت لإعادة تجربة الانسحاب كلها لأكون فيما أنا عليه اليوم، من الصفاء والرؤية الواضحة لما أفعله غدًا، فسأعيدها كاملةً دون تردُّد.
لقد حوَّلتُ معاناتي إلى قوة إبداعية غيَّرت حياتي تمامًا، كما سَخَّر مارتن لوثر معاناته ومعاناة شعبه ليُغيِّر البنية السياسية والاجتماعية لعالمنا!
المعاناةُ اختيارٌ، وتحويلها إلى قوة إبداعية للتغيير اختيارٌ مختلفٌ تمامًا. أتمنَّى أن تختار الأخير. مهما كان ما تمُرُّ به، يمكنك تحويله إلى شيء إيجابي، ويمكنك أن تجعله ينجح. ما عليك إلا أن تقرر ذلك.