“الانضباط هو الحرية”، قد لا توافق على صحة هذه المقولة، ولكنك لست الشخص الوحيد الذي يعارضها. فبالنسبة لمعظم الأشخاص، يُعَدُّ الانضباط شيئًا بغيضًا يتعارض مع مفهوم الحرية، ولكن الحقيقة عكس ذلك تمامًا. يقول ستيفن كوفي: “إن الأشخاص غير المنضبطين ما هم إلا عبيد لرغباتهم وشهواتهم وعواطفهم”. وعلى المدى البعيد، يفتقد الأشخاص غير المنضبطين الحرية النابعة من ممارسة مهارات معينة أو اكتساب قدرات جديدة، مثل العزف على آلة موسيقية أو تحدث لغة أجنبية.
إن الانضباط الذاتي يشمل التصرف وفقًا لمعتقداتك، وليس وفقًا لمشاعرك اللحظية. وغالبًا ما يتطلب منك الأمر أن تُضحِّي بالمتعة والسعادة في وقت معين في سبيل ما هو أهم في الحياة. ولذلك، فإن الانضباط الذاتي يقودك إلى ما يلي:
استمرار العمل على فكرة أو مشروع معين ولو بعد زوال لحظات الحماس الأولى.
الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية رغم أن كل ما تريده الآن هو الاسترخاء على الأريكة ومشاهدة التلفاز.
الاستيقاظ مبكرًا لإنجاز مهامك.
أن ترفض بشدة أن تأكل شيئًا قد يُفسِد نظامك الغذائي الجديد.
أن تتفقد بريدك الإلكتروني مرات قليلة، وفي أوقات محددة من اليوم.
في الماضي، كان الانضباط الذاتي نقطة ضعفي، وبسببه فقدت القدرة على القيام ببعض الأشياء التي أحبها مثل العزف على الجيتار؛ ولكن بمرور الوقت تحسنت الأمور. والآن، يمكنني القول بأن الانضباط الذاتي هو ما يجعلني أنهض من النوم في الخامسة صباحًا كل يوم لأنجز مهامي.
إذا كنت تعاني من غياب الانضباط الذاتي، فلا داعي للقلق؛ إذ يمكنك اكتسابه. على سبيل المثال، استطعت تدريب نفسي على الاستيقاظ مبكرًا في العامين الماضيين فقط.
إليك السمات الخمس للانضباط الذاتي:
الانضباط هو أن تتصرف وفقًا لما تقرره أنت وتعتقد أنه الأفضل، بغَضِّ النظر عما تشعر به وقتئذٍ. ولهذا، فإن المعرفة الذاتية هي السمة الأولى للانضباط الذاتي، فيجب عليك أن تُقرِّر ما التصرف الأفضل الذي يقودك إلى تحقيق أهدافك، ويكون انعكاسًا لمبادئك. وتتطلب هذه العملية أن تتأمل في ذاتك، وتصبح في غاية الفاعلية عندما ترتبط بعبارات مكتوبة. من الأفضل أن تُدوِّن أهدافك وأحلامك وطموحاتك، والأفضل من ذلك أن تكتب عبارة تُلخِّص فيها هدفك في الحياة. سوف تمنحك هذه العبارة فهمًا أعمق لشخصيتك وقيمك.
الإدراك الواعي
يعتمد الانضباط الذاتي على الإدراك الواعي للأفعال التي تقوم بها، والأفعال التي لا تقوم بها. فكر في الأمر مليًّا، فإذا لم يكن لديك وعي بأن تصرفك هذا تصرف غير مُنضبِط، فكيف ستدرك أنه يجب عليك تغييره؟!
عند محاولة تحقيق الانضباط الذاتي، ربما تكتشف أن بعض تصرفاتك في الحقيقة تصرفات غير منضبطة، على سبيل المثال: قضم أظافرك عند التوتر، أو المماطلة في الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية، أو تفقد بريدك الإلكتروني كثيرًا. ويتطلب اكتساب الانضباط الذاتي بعض الوقت، والأهم أن تحدد تصرفاتك غير المنضبطة. ولكن إذا قمت بذلك في وقت مبكر، فسوف تمنع نفسك من التصرف بطريقة غير منضبطة، مما سوف يمنحك الفرصة لاتخاذ قرارات تتَّفِق تمامًا مع قيمك وأهدافك.
الالتزام بالانضباط الذاتي
لا يكفي أن تُدوِّن أهدافك وقيمك، ولكن يجب أن تُدرِّب نفسك على الالتزام بها، وإلا فسوف تجد صعوبة في رؤية مشروعك يكتمل بعد زوال فترة الحماس الأولى.
إذا وجدت صعوبة في الالتزام، فابدأ باتخاذ قرار واعٍ لكي تتابع أعمالك، وذَكِّر نفسك بأنك قد التزمت بإنجازها، ودائمًا ضع خطة تكفل لك هذا الالتزام؛ “فكل ما يمكن قياسه، يمكن تحسينه”.
الشجاعة
قد يكون الانضباط الذاتي أمرًا صعبًا للغاية؛ فرغباتك وشهواتك ومشاعرك دائمًا ما تسير في الاتجاه المعاكس؛ لذا يعتمد الانضباط الذاتي بشكل كبير على الشجاعة. لا تتظاهر بأن الأمر سهل؛ لأنه في الحقيقة أمر صعب. لذا، حاول أن تكون شجاعًا وتواجه الأمر مهما كان صعبًا. فكلما تطورت ذاتك، زادت ثقتك بنفسك واكتسبت شجاعة من شأنها أن تدعمك لتحقيق الانضباط الذاتي بصورة طبيعية.
التدريب الداخلي
غالبًا ما يكون التحدث مع الذات أمرًا سلبيًّا، ولكن يمكنك التحكم فيه وجعله شيئًا مفيدًا. عندما تجد نفسك في موضع اختبار، حاول أن تتحدث إلى نفسك وتوفر لها التشجيع والاطمئنان؛ فإن تحدُّثك مع ذاتك في نهاية الأمر هو ما يُذكِّرك بأهدافك، ويشجعك ويدفعك إلى الالتزام، ويُبقِيك مُدرِكًا وواعيًا بالمهمة التي تنجزها. ومهما كانت صعوبة الظروف، فتذكَّر دائمًا أن “ثمن الانضباط لا يساوي على الإطلاق ألم الندم”.