وجهة النظر الأولى: الأفكار لا قيمة لها

أنــا بالطبــع لا أعتقــد أن الأفــكار لا قيمــة لهــا، ولكنــي أود التحــدث عــن وجهـة النظـر هـذه لكـي نـدرس الموضـوع دراسـة نقديـة. كذلـك فـإن وجهـة النظــر هــذه موجــودة، ويتبناهــا عــدد مــن النــاس، فــلا يمكننــي تجاهلهــا.

فلنبـدأ بذكـر الحجـج التـي يحتـج بهـا مـن يتبنـى وجهـة النظـر الأولـى، وهـيً أن الأفـكار لا قيمـة لهـا. قـد يقـول شـيئا مثـل:

اسأل نفسك: مــن أين تأتي الأفكار؟ مــن الذي يأتي بها؟ قد تأتيٍ الأفكار من أي شخص في أي مكان، فقد تأتي من الأطفال، أو من أناس بسطاء، أو من أناس غير متعلمين، أو ممن لا يملكون الخبرة الكافية أو من أولئك الذين يتذمرون طوال الوقت. إذا، إن كانت الأفكار تأتي بكل سهولة من أي شخص، فلا يمكن أن تكون لها قيمة كبيرة.

كذلــك فإنــك نــادرا مــا تجــد صاحــب فكــرة طبــق فكرتــه التــي جــاء بهــا. فالكثيــر مــن النــاس، حتــى لــو كانــت لديهــم أفــكار رائعــة، يتحدثــون عنهـا فقـط، ولا يضعونهـا موضـع التنفيـذ. فقـد ذكـر بيتـر جولويتـزر، أسـتاذ علـم النفـس فـي جامعـة نيويـورك، فـي مقالـة بعنـوان «عندمـا تكـون النوايـا معلنــة»( ،)1أن التحــدث عــن الخطــط المســتقبلية يجعلــك تشــعر وكأنــك حققـت تلـك الخطـط بالفعـل. لذلـك، فـإن الذيـن يتحدثـون عـن أفكارهـم علــى الــدوام نــادرا مــا ينفذونهــا. وهــذه الخصلــة هــي التــي جعلــت بعــض النــاس يظنــون أن الأفــكار لا قيمــة لهــا.

الحجـة الأخيـرة هـي أن معظـم الأفـكار ليسـت جيـدة بمـا يكفي. فلا شـك فــي أنــه قبــل نجــاح فكــرة فيســبوك أو مايكروســوفت أو لوحــة الموناليــزا، كانـت هنـاك ألـوف الأفـكار التـي لـم تنجـح. الأغلبيـة العظمـى مـن الأفـكار فـي العالـم هـي أفـكار عقيمـة، مصيرهـا الفشـل. فِلَـمً نبـذل جهـدا فـي محاولـةُ الإتيـان بأفـكار لـن يكتـب النجـاح لمعظمهـا؟ أليـس مـن الأجـدى أن نسـتثمر وقتنـا فـي أشـياء أكثـر قيمـة؟

وجهة النظر الثانية: الأفكار هي سبب لأعظم الاختراعات

في العالم؛ فالأفكار تمنحنا شيئاً أبديا لا يقدر بثمن صحيــح أنــي لا أتفــق مــع وجهــة النظــر الأولــى، ولكــن بعــض الحجــج التـي يحتـج بهـا أصحابهـا ينبغـي أن تؤخـذ فـي الحسـبان. كذلـك عندمـا نفهـمً وجهـة النظـر الأولـى فهمـا جيـدا، سـنُ قدر وجهـة النظـر الثانيـة تقديـرا أكبـر.

تقــول وجهــة النظــر الأولــى إن كل النــاس لديهــم أفــكار، حتــى البســطاءً منهــم، لذلــك فــإن الأفــكار لا قيمــة لهــا. صحيــح أن الجميــع تقريبــا قــادر علـى أن يأتـي بأفـكار، ولكـن معظـم النـاس يرضـون بالأفـكار التقليديـة التـي لا جديـد فيهـا. فهـم لا يسـتغلون قدراتهـم فـي محاولـة الإتيـان بأفـكار أكثـر وأفضـل. ولأن الكثيريـن لا يأتـون بأفـكار مميـزة (إمـا لأنهـم يتبنـون وجهـة النظــر الأولــى أو لأســباب أخــرى) فــإن مــن يأتــي بفكــرة جديــدة لــن يجــدِ منافسـة حقيقيـة. دع الآخريـن يكتفـوا بفكـرة أو فكرتيـن، ولتـأت أنـت بمئـات الأفــكار، ثــم اختــر منهــا مــا يســتحق أن تســتثمر فيــه وقتــك وجهــدك. ومــع الوقـت، ستسـتطيع أن تحقـق أهدافـك التـي تصبـو إليهـا.

وجهــة النظــر الأولــى تقــول أيضــا إن كثيريــن يتحدثــون عــن أفكارهــمّ ولكنهـم قل مـا ينفذونهـا. قـد يكـون ذلـك صحيحـا، فمـن طبيعـة البشـر أنهـم يحبـون أن يتباهـوا بأفكارهـم، ويتحدثـوا عنهـا. ولا بـد أنـك سـمعت أحدهـم مــرة يتحــدث عــن فكــرة ناجحــة لاقــت رواجــا عنــد النــاس، ويقــول إنهــا فكرتـه، ولكنـه لـم ينفذهـا. فالنـاس يشـعرون بالمتعـة عندمـا يتباهـون بذكائهم ويسـمعون عبـارات الثنـاء مـن غيرهـم. إذا، هـي حقيقـة أن النـاس يتكلمـون أكثـر ممـا يعملـون. لكـن لـم لا تكـون أنـت الاسـتثناء مـن هـذه القاعـدة؟ لـم لا تختــار أفضــل الأفــكار التــي لديــك ثــم تحولهــا إلــى واقــع؟ ويمكنــك أن تعاقـب نفسـك، كلمـا وجـدت أنـك تتكلـم أكثـر ممـا تعمـل. وليكـن العقـاب كمـا يلـي: لـكل دقيقـة تضيعهـا فـي الحديـث عـن أفـكارك، اسـتثمر خمـس دقائـق فـي العمـل علـى تنفيـذ تلـك الأفـكار.

الحجــة الأخيــرة التــي يحتــج بهــا مؤيــدو وجهــة النظــر الأولــى هــي أن معظـم الأفـكار التـي يأتـي بهـا النـاس هـي أفـكار ليسـت جيـدة. هـذا صحيـح، ولكـن مـن قـال إن كل الأفـكار التـي تأتـي بهـا يجـب أن تكـون رائعـة؟ حتـى أكثـر العباقـرة إبداعـا ليسـت كل أفكارهـم رائعـة. مـا يهـم هـو أن تسـتمر فـي الإتيـان بالأفـكار إلـى أن تقـع علـى الفكـرة التـي كنـت تبحـث عنهـا. ولا بـأس أن تأتــي بمئــة فكــرة لا ينجــح منهــا إلا اثنتــان. ولكــن تعلــم أن تفعــل ذلــك بسـرعة، لكـي تنتقـل بعدهـا إلـى الخطـوة التاليـة، وهـي تحويـل الفكـرة إلـى واقـع ملمـوس.

قــد أستطيع القول إن البحــث عــن الأفــكار القيمــة يشــبه التنقيب عــن الذهـب. فعنـد التنقيـب، ليـس كل مـا تجـده ذهبـا، ولكـن بين الفينة والأخرى ســيبرق لــك معـدن نفيس، ألا وهــو الذهــب. كذلك الحــال مــع الأفــكار، فمـن بيـن ألـف فكـرة تأتـي بهـا سـتجد فكـرة أو فكرتيـن عبقريتيـن. قـد تقـول إن الإتيـان بألـف فكـرة هـو عمـل مضـن وأقـول لـك: هـو ثمـن بخـس تبذلـه فـي سـبيل الإتيـان بفكـرة قـد تغيـر حياتـك أو تغيـر حيـاة الآخريـن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *