ساد الاعتقاد طویلا عند علماء النفس والمتخصصين بالعلاقات الشخصیة والاجتماعیة بأن التفكير الجید لا یستقیم إلا بغیاب العاطفة . وھذا ما حدا بالعقلانیین أن یجعلوا غیاب العاطفة عن التفكیر عقیدة فكریة لھم، والذین صنفوا فیھا البشر إلى فئات .. بدءا من فئات العباقرة ونزولا إلى فئات المتخلفین عقلیا وفقا لدرجة الذكاء العقلي IQ، حتى ظھرت لنا التجارب الإكلینیكیة في أواخر التسعينات إلى أن التفكير الخالي من العاطفة، لا یؤدي بالضرورة إلى اتخاذ قرارات مرضیة على المستوى الشخصي والاجتماعي في كثیر من الأحیان وأصبح من المؤكد أن العواطف القوية تلعب دورا كبیرا في التفكیر بصورة سلیمة . حتى ظھر لنا ما عرف أخیر ا بالذكاء العاطفي أو التفكير العاطفي الذي أظھر طفرة حقیقیة في إعادة تقييم الشخصیة والعلاقات الاجتماعیة بصورة مختلفة تماما عن ما كان سائدا، تلك الطفرة العلمية التي أثبتت لنا أخیرا أن القلب یفكر مثلھ مثل العقل الذي یفكر تصدیقا لقول الله عز وجل : (أفلم یس یروا في الأرض فتكون لھم قلوب یعقلون بھا أو آذان یسمعون بھا فإنھا لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور )، والتي ھي حقیقة علمیة أصبحت الآن ثابتة لدى الغرب.
وإذا ما تجاوزنا السرد التاریخي لبدایة ظھور تلك الحقائق بدءا من ظھور مصطلح الذكاء العاطفي إلى سلسلة الاكتشافات المذھلة المرتبطة بالطاقة البشرية والتفكير العقلي والتفكير العاطفي، تؤكد النتیجة أن الشخص یستطیع أن یجعل عواطفھ تعمل من أجلھ أو لصالحھ باستخدامھا في ترشید سلوك وتفكيره بطرق ووسائل تزيد من فرص نجاحه إن كان في العمل أو في المدرسة أو في الحیاة بصورة عامة ” فالمشكلة لا تكمن في العاطفة في حد ذاتھا بقدر ما تتعلق بكیفیة توظیفھا والتعبیر عنھا لإیجاد أو خلق التوازن بین التفكير العقلاني والتفكير العاطفي . ووضح أن عواطفنا تنبع من أربعة أبنية أساسیة ھي القدرة على الفھم الدقیق والتقدیر الدقیق والتعبیر الدقیق عن العاطفة والقدرة على توليد المشاعر حسب الطلب عندما تسهل فھم الشخص لنفسھ أو لشخص آخر، والقدرة على فھم العواطف والمعرفة التي تنتج عنھا، وأخیرا القدرة على تنظيم العواطف لتطویر النمو العاطفي والفكري.
وكل واحد من ھذه الأبنية السابقة یساعد على تطویر المھارات المعينة التي تشكل معا ما یسمى ” الذكاء العاطفي” الذي ینمو ویتطور بالتعلم والمران على المھارات والقدرات التي یتشكل منھا. من خلال الوعي الذاتي، القدرة على التصرف والقدرة على فھم الشخص لمشاعره وعواطفھ والقدرة على ضبط وتوجیھ الانفعالات والمشاعر القوية تجاه الآخرين.