لم تعد الميزات التنافسية اليوم من المسلمات في أعراف الأفراد والمنظمات والمجتمعات. ولم تعد الموارد الطبيعية والكثافة السكانية والأعداد البشرية هي المرتكز الأول للمنافسة واحتلال مواقع بارزة في الأسواق العالمية. فالإبداع والابتكار والاستبصار صارت مناهج لها أدواتها وأساليب حياة يمكن استشعارها وثقافات وأخلاق عمل يمكن استثمارها ويذكرنا ما يحدث اليوم في أسواق العالم المفتوح بعبارة هنري فورد الساخرة والعميقة كلما عينت موظفا ليعينني بيديه، يأتيني إنسان ويعينني بعقله وبصيرته”.
في عصر اقتصاد المعرفة لا تكفي معرفة الاقتصاد. فلم تعد المعرفة هي الميزة التنافسية القوية والوحيدة القادرة علي تمكين المنظمات من التألق والتفوق.فقد تحول العالم كله إلى التنافس في الاستبصار، فصار تسخير ودمج وتركيب عناصر التميز هو العامل الحاسم في الابتكار وصناعة الإبداع وإدارة المستقبل. عناصر التفوق حاضرة: معلومات وبيانات ومتغيرات وفرص وسرعة في الأداء ومؤشرات وخبرات وتجارب ومخاطرات لكنها وحدها لا تكفي. لا بد من الرؤية البعيدة والإحساس العميق بالمواقف لخلط هذا المزيج السحري في بوتقة واحدة ، ومن ثم الاستثمار الرشيد لرأس المال البشري والثقافي والاجتماعي المتاح للجميع لكنه لا يسلم قوانينه ومعادلاته إلا لذوي البصيرة النافذة والرؤية الثاقبة.
تأثير الابتكار على الثقافة المؤسسية
تحتاج المؤسسات في ظل حالة التقلب والتغير التي تشهدها الأسواق إلي المرونة لكي تتمكن من النجاة ثم النجاح، وهذا شرط ابتكاري لا يمكن تجاهله. المرونة والسرعة هما عماد الابتكار الإداري الجديد فالمؤسسات التي تمكنت من تخطي الأزمة المالية العالمية علي مدار الأعوام الخمسة الماضية هي التي تكيفت بسرعة مع المتغيرات بل وتوقعتها فوظفتها.
العامل الرئيس المؤثر في السوق الآن هو التغيير السريع والمتواتر علي اعتبار أن التغيير هو الثابت الوحيد في حياة الأمم، فدورة حياة المنتج أو الخدمة أصبحت فورية ولحظية لأن منافسين كثيرين صاروا قادرين علي الاختراق والمنافسة فكل ما نحتاجه اليوم لنتمكن من المنافسة هو السرعة في إضافة قيمة نيلة وخلاقة.
توقعات العملاء والمستهلكين
الهدف النهائي للابتكار هو المستهلك الذي تتغير توقعاته مثل كل متغيرات السوق. فهو يملك خيالا سباقا بفضل ما أتيح له من معلومات وما يدركه من بدائل وخيارات، بل صار يشارك في الابتكار ويدلي برأيه قبل طرح المنتج والخدمة وأثناء وبعد الاستخدام، وهذا يعني أن الجمهور هو من يصنع الاتجاهات ويحدد المنتجات غبر مداخلاته ومشاركاته في وضع الخطط وتقرير الاستراتيجيات.
أصبح المستهلك في وقتنا الحالي:
يتمتع بوفرة من الخيارات، فلقد أتاح له الاتصال الرقمي أن يتسوق عبر الانترنت ويقارن بين الخدمات ومعرفة آراء غيره من العملاء في كل شيء قبل شرائه.
يشارك في إعداد المنتج: فسواء كانت المؤسسات مستعدة لاشراكه أم لا فهو متأهب ومتوثب حتى تتحقق توقعاته وان يستجيب مقدمو الخدمات ومصممو المنتجات لرغباته وأن يهتموا ويحترموا قراراته ويعتمدوا مداخلاته ويضيفوا لمساته.
يتطلع إلي اكتساب خبرات جديدة: يبحث مستهلك اليوم عن المنتجات والخدمات التي تعبر عن هويته وطموحاته والتي تضيف له خبرات جديدة يتضح هذا في استجاباته الذكية للجهود التسويقية التي تتعلق بأحاسيسه وتجاربه الحياتية.