في العصور القديمة، كان الناس يلقون باللوم على النجوم والكواكب عندما يتعرضون لأي مشكلات. وفي العصور الحديثة، يشير العلماء إلى أن عقولنا قد تكون مبرمجة مسبقا، وقد تشَكَل من خلال البيئة التي يتواجد فيها الإنسان، وقد تتأثر بالعاملين معه. وتبعا لذلك، فإننا غير مسؤولين عن أفعالنا أو شخصياتنا؛ لأن عقولنا تتحكم فينا وفي تصرفاتنا. ولكن كيف يساهم تدريب العقل على تغيير الذات وصفاتها؟!
يقول طبيب الأعصاب مارك هاليت: “لا يمكن الدخول في نقاش مع أولئك الذين يعتقدون أن هناك انفصالًا بين العقل والمخ البشري”.
ومن جانبي، أحب القراءة عن المخ البشري لأن هذا الأمر له صلة بعملي في مجال التعليم. وكثيرا ما أقارن ما أقرأه بما يمر علي من تجارب وخبرات شخصية. فالحياة قد تكون مليئة بالأوهام، ولكنني أحب أوهامي، خصوصا تلك التي تصب في مصلحتي. وخلافا لوجهة النظر التي طرحها هاليت، فأنا أفصل بين العقل وبين المخ البشري. فأنا أتحدث مع نفسي أولًا ثم أخبر المخ ماذا يفعل. وأعتقد أن رغباتي الواعية ونواياي تؤثر على نشاطي العقلي.
عندما كنت في العاشرة من عمري، كنت أشعر بانبهار من قدرة والدي على تحريك أذنيه. ولطالما حاولت أن أقلده ولكنني فشلت في البداية. ثم بعد ذلك، بدأت أدرب عقلي على هذا الأمر، فكنت أجلس أشاهد التلفاز وأعطي أوامر لعقلي بأن يحرك أذني. وفي نهاية الأمر استجاب عقلي لرغباتي من خلال قوة الإرادة ومن خلال التدريب العقلي المستمر.
ومما لا شك فيه أن الجينات والظروف المحيطة بالإنسان تلعب دورًا كبيرًا في التأثير على شخصيته وعلى القيم التي يؤمن بها. فعلى سبيل المثال، إذا لم يكن والدي يمتك القدرة على تحريك أذنيه، ربما لم أكن لاكتسب مثل هذه القدرة. وأحيانًا، يولَد الإنسان ولديه صفات وراثية متأصلة فيه. وأحيانا أخرى، تلعب الأسرة والأصدقاء والثقافة السائدة بالمجتمع دورًا كبيرًا في التأثير على سلوك الإنسان. وعلى الرغم من ذلك، ما زلت أشعر بأنني متحكم فيما أفعله.
النجاح مهم لمعظم الأشخاص، والرغبة في تطوير الذات هي في جوهرها محاولة لتحقيق النجاح؛ ولكن معظمنا يجد صعوبة في اتباع النصائح المفيدة. على سبيل المثال، يعلم الجميع أنه ينبغي أن نتجنب الأكل الدسم وأن نمارس الرياضة وأن نضع نظاما لحياتنا، ولكن الصعوبة تكمن في تدريب العقل على تغيير العادات الراسخة. ولتغيير العادات القديمة، يجب أن نتوقف عن توجيه اللوم لأنفسنا ونبدأ في تدريب العقل. فنحن نستطيع التأثير على عمل العقل من خلال قوة الإرادة؛ فالعقل ليس جامدًا، ولكنه يتغير ويتكيف ويعيد تشكيل نفسه باستمرار.
ثمة أربع خطوات من شأنها المساعدة في التغلب على أي سلوكيات قد يعتقد الإنسان أنها راسخة لا تتغير:
- النظر إلى المشكلة على أنها نمط سلوكي خاطئ في العقل.
- عدم ربط هذا النمط السلوكي بأي شعور بالذنب.
- التركيز على الأفعال والتصرفات التي تحل محل هذا السلوك غير المرغوب.
- تغيير طريقة تقييم السلوك غير المرغوب.
كيفية تدريب العقل على تغيير الذات
إن أفضل سبيل إلى تدريب العقل على تغيير الذات هو التدريب المستمر؛ فمن خلال التدريب المستمر للعقل، سوف يتكون لديك نظام جديد لتقييم السلوكيات لا يكافئ مثل هذا النوع من السلوكيات الخاطئة. وبالإضافة إلى ذلك، سوف تلعب قوة الإرادة دورًا أساسيًّا في جميع أنشطة التعلم في جميع المراحل العمرية. ودائما سوف تكون هناك فرصة لتعلم مهارات جديدة أو للتخلص من العادات القديمة.