إن حياتنا قد صارت معقدة، وبسبب هذا التعقيد، ظهر ضيف ثقيل اعتاد زيارتنا مؤخرًا بكثرة. أطلقنا على هذا الضيف اسم الإجهاد والتوتر. ومن العجيب أن هذا الضيف الثقيل يهتم بزيارة الجميع، سواء كان رجلًا شابًّا في مقتبل العمر يقضي أغلب وقته في العمل، أو شيخا مسنا متقاعدا في العقد السابع من عمره، أو طفلا صغيرا لا يتجاوز عمره الثماني سنوات. فلنتعرف معًا عن قرب على هذا الضيف الثقيل.
الإجهاد والتوتر صورة من صور الضغط، ذلك الضغط الذي نشعر به في أبداننا؛ نتيجة ما يحيط بنا من أمور ومشاكل وأشخاص، والذي عادة ما يصاحِبه ضغط نفسي مكمل له.
نتعرض أحيانا للضغط النفسي بسبب طريقة تفسيرنا وفهمنا للموقف الذي نمر به، مثل شعور الموظف أن المدير يراقب عمله بصورة مبالَغ فيها مقارنةً بباقي زملائه، فيبدأ الموظف في تفسير كل طلبات المدير على أنها غير عادلة. وسرعان ما يشعر هذا الموظف بالضغط بعد طلب تلو الآخر؛ بسبب طبيعة تفسيره للأوامر التي يعطيها له مديره في العمل. يُعَدُّ هذا النوع من الضغوط ضغطًا وهميًّا، لكن من العجيب أن المخ يتعامل مع الضغوط الوهمية والواقعية بالطريقة نفسها، وباعتبار كلتيهما حقيقة؛ مما ينتج شعورا واحدا بالضغط، وردة فعل واحدة للجسد تجاه هذا الضغط. ومن هنا، نستخلص أن الضغط أو التوتر شعور يصيبنا عند مواجهة تحديات الحياة اليومية.
عندما يتردد عليك هذا الزائر الثقيل بكثرة، عليك باتباع هذه التعليمات:
كن منظما
أهم عنصر مرتبط بالنظام هو التخطيط. ومع ذلك، فهو أكثر عنصر يهمله الجميع. إن لم تخطط ليومك، فهذا يعني أنك تترك الأمور تسير بطريقة عشوائية. صحيح أن البعض يجدون متعةً في العشوائية، لكنها غير ممتعة في حياتنا العملية؛ لأنها تضيف ليومنا الكثير من التوتر غير المُبرَّر، والذي يمكن تجنبه. قد تكون العشوائية مناسبة في المواقف التي تحتاج إلى عنصر المفاجأة ليُضفِي عليها تأثيرًا إيجابيًّا. أما هنا، فالمفاجأة لا تتسبب إلا في المزيد والمزيد من التوتر. ومن هنا، عليك بكتابة مهامك في جدول زمني يساعدك على تذكر هذه المهام، ومتابعة تنفيذها؛ كي تتجنب الآثار المترتبة على التأخر في تنفيذ المهام أو نسيانها.
تناول أطعمة صحية
لا نقصد أن نقول: اتبع حمية غذائية صحية؛ فليس المقصود هنا اتباع حمية غذائية لفترة محددة بغرض خسارة الوزن، بل المقصود جعلُ الأطعمة الصحية جزءًا لا يتجزأ من وجباتك اليومية وأسلوب حياتك دائمًا، دون رجعة. تأكد أن أكل الأطعمة المقلية، والإكثار من أكل البروتينات الحيوانية يزيد فرصة استجابة جسدك للضغوط اليومية المحيطة. في المقابل، فإن اتباع نظام غذائي متوازن، يميل في مُكوِّناته إلى الإكثار من الخضراوات، وخاصةً الطازجة منها، يُقلِّل استجابة جسدك للضغوط نفسها.
حدد أهدافا واقعية
يجب أن تعرف إمكانياتك، وأن تحدد أهدافك في حدود هذه الإمكانيات. أَعْطِ نفسك فسحة من الوقت لتحقيق أهدافك؛ فوضع جدول زمنى ضيق جدا قد يتسبب في عدم تحقيق هذه الأهداف على الرغم من امتلاكك للمهارات الكافية لتحقيقها. النجاح في تحقيق الأهداف يصاحِبه شعور رائع، يؤدي إلى زيادة تدفق الأدرينالين في جسدك؛ فلا تحرم نفسك من هذا الشعور، وحافظ على واقعية أهدافك. فإذا أردت تحقيق أهداف تحتاج إلى إمكانيات غير متوفرة لديك، فعليك أولًا بوضع خطة لتوفير هذه الإمكانيات قبل أن تضع خطة لتحقيق هذه الأهداف.
روح عن نفسك ومتعها
إن لربِك عليك حقا، وإن لنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا؛ فاعط كل ذي حق حقه
تذكر مقولة
قضاء وقتك كله في “العمل”، وإهمال الترويح عن نفسك يؤثر سلبًا في صحتك النفسية والجسدية. كلمة “العمل” لا تعني أن الكلام مُوجَّه إلى الموظفين فقط، بل هو مُوجَّه إلى رَبَّات البيوت أيضًا؛ فعمل رَبَّة المنزل يوميًّا في بيتها لتلبية احتياجات الزوج والأولاد هو أيضًا عمل تحتاج الزوجة إلى راحة منه. أضف نشاطًا غير روتيني إلى يومك: استمع إلى الموسيقى، أو اقرأ كتابًا، أو خُذْ حمَّامًا ساخِنًا، أو اخرُج في نزهة مع الأصدقاء، أو مارس الرياضة؛ فقد أثبتت الأبحاث أن رياضة المشي تساهم في التغلب على الضغط والتوتر بصورة ملحوظة. أَعِدِ اكتشاف مهاراتك من جديد، وعُدْ إلى ممارسة هواية اعْتَدْتَ أن تمارسها أيام المدرسة وأنت صغير؛ فحتمًا سوف تشعر بفرق كبير.
لا تعاود التفكير في الذكريات السيئة
من اسوأ العادات التي تجعل المرء يشعر كأنه في دوامة التفكير في أحداث الماضي، واسترجاعها بصورة متكررة طوال اليوم. قد يستمر الأمر أسابيع وشهورًا إلى أن يتحول إلى اكتئاب. سواءٌ كان الأمر مُتعلِّقًا بشيء حدث اليوم في العمل، أو حدث منذ أسبوع مع شخص مقرب منك؛ فإعادة استعراض الأحداث السلبية أمر شاق ومجهِد جدا نفسيا وعصبيا. يكفيك من الموقف الدرس المستفاد منه؛ فالأفضل ألا تحزن على ما فاتك، وألا تقلق مما هو اَت. وجه جهودك الذهنية إلى التركيز على اللحظة الحالية التي تعيشها، واجعل هذا الأمر مصحوبًا بإدراكٍ منك لأفكارك في هذه اللحظة، وطبيعة المشاعر المُصاحِبة؛ ثم تقبلها.
باتباع الإرشادات السابقة والانتظام فيها، سوف تتخلص من الشعور بالضغط والتوتر، ولن يجد هذا الزائر المزعج حاجةً إلى البقاء عندك أو زيارتك إلا قليلًا جدًّا. واعلم أن القليل من التوتر والضغط ليس بضار؛ فإنه يجعلك شخصا قويا ولديه القدرة على مقاومة مصاعب الحياة؛ لكن المهم ألا تجعله زائرًا دائمًا لك.