يتغذى أعداء النجاح على الأجزاء العقلية التي تحفز البقاء والاستقرار الجسدي والعاطفي تلك الأجزاء هي ما نطلق عليه “العقل النفعي” في حين يستمد المنقذ والذي يعكس الجانب الأكثر حكمة وعمقا قوته من “العقل المتدفق” ويمكنك مضاعفة التدفق الإيجابي لعقلك الذي يشهد هذا الصراع الأبدي المحتدم ما بين المنقذ وأعداء النجاح من خلال ثلاث استراتيجيات وهي:
1/ إستراتيجية مهاجمة أعداء النجاح
بعد أن تعرفت إلى أعداء النجاح الأكثر سيطرة على سلوكياتك وتحكما في توجهاتك حرر نفسك من قيودها. فالإنسان حين يتقلد دور المحارب، تتملكه مشاعر الغضب والعنف ليفقد أهم أسلحته: الدهاء: فمثلا: حين تطفو خصال “الضحية” إلى السطح وتبدأ بانتقادها والغضب حيالها، فأنت بذلك تفعل دون أن تدري العدو الأخطر “المنتقد”. ومن ثم فإن أفضل وسيلة لدحر قوة أعدائك هي رصد المشاعر والأفكار المصاحبة لها. وقد تناول المؤلف “إيكهارت تول” هذه الإستراتيجية مشبها أعداء النجاح برجل الجليد الذي سرعان ما يذوب عندما تلامسه أشعة “الوعي والرصد”. ولمزيد من التعمق في استيعاب ورصد أعدائك، يمكنك أن تخصص وصفا أكثر دقة لكل منها.
فإن كان المسيطر هو المحرك الأقوى للمنتقد، فبإمكانك أن تطلق عليه “المخبر” مثلا فإذا ما باغتك هذا العدو بزيادة مفاجئة في أحد الاجتماعات فابدأ عملية الرصد والملاحظة بأن تصب عليه وعيك وادراكك لمحاولاته البائسة للتحكم في مجريات الأحداث كأن تقول لنفسك “ها هو المخبر المتكبر قد جاء عابسا ليخبرنا بأن الاجتماع لا يسير كما يريد”. قد تتساءل كيف لهذه الآلية البسيطة أن تؤتي ثمارها وتقضي على عدوك! إلا أن هذه التساؤلات سرعان ما تزول بمجرد أن تجربها للمرة الأولى، حيث يستمد أعداء النجاح قوتهم من طبيعتهم المستترة خلف الكثير من الأقنعة التي تتساقط واحدا تلو الآخر بمجرد أن ترصدها، الأمر الذي يقلص من قدرتها على التأثير في أفكارك وسلوكياتك.
2/ إستراتيجية المنح الثلاث
طورت هذه الإستراتيجية للانتقال الذهني من حالة “أعداء النجاح” إلى حالة “المنقذ” حيث يطلب من الشخص أن يبتكر ثلاثة سيناريوهات إيجابية تتحول فيها الأزمة التي تعرض لها إلى نعمة أو منحة غير متوقعة عندما خضع أحد مديري المبيعات لهذا الاختبار وكان قد خسر أكبر وأهم عملائه وضع الاحتمالات الثلاثة هي:
- قد تحفزنا هذه الخسارة على تطوير منتجاتنا بشكل يضمن لنا المزيد من العملاء على المدى البعيد.
- قد ينمي فريق المبيعات مهاراته ويطور إمكاناته كي يكسب المزيد من العملاء الجدد.
- قد يتوفر لنا المزيد من الوقت لتقديم خدمة أفضل لعملائنا الحاليين مما يرفع نسب البيع بشكل يعوضنا عن تلك الخسارة.
تلك هي الآلية التي يعمل المنقذ وفقا لها ليحيل الأزمات إلى نعم وهبات لكن هذه الإستراتيجية ليست خيارك الأوحد إذ يمكنك تجاوز الأزمة وطي صفحتها متخلصا من مشاعر الندم المصاحبة بدلا من البحث عن الاحتمالات، فالقدرة على التغاضي عن المواقف السلبية هي منحة في حد ذاتها، حيث تقوي عضلات المنقذ الذي يخلصك من المشاعر السلبية ناهيك عن دوره في هزيمة المنتقد عدوك الأول.
3/ إستراتيجية دعم المنقذ
يمثل المنقذ ذلك الجزء الأكثر حكمة منك فهو يتعامل مع التحديات إما باعتبارها فرصة فعلية لتحقيق أعلى معدلات الرضا والسعادة والأمان، أو باعتبارها نبته نستطيع أن نحولها إلى فرصة لنخرج في النهاية بالنتائج ذاتها. يسخر “المنقذ” خمس طاقات رئيسية ليمارس أدوراه الإيجابية وهي: التعاطف – الاستكشاف – الإبداع – الإبحار – التفعيل. ولا يشترط أن تتطلب كل المواقف تفعيل الطاقات الخمس مجتمعة فكل موقف احتياجاته وحيثياته الخاصة.
وهذا وصف مفصل لكل طاقة على حدة ملحقة بما سنطلق عليه “سر الصنعة” الذي يمكنك من استثمارها على أكمل وجه.
1/ التعاطف
وهو شعور ينبثق من قدرتنا على التفهم والتقدير والتسامح يشحن التعاطف طاقتنا ويفجر فينا ينابيع الحيوية والنشاط بعد أن جفت واستنزفها المنتقد ومحركاته المدمرة.
سر الصنعة: العودة إلى الطفولة
مارس صناعتك لدقيقة واحدة داخل عقلك كي تعزز قوة التعاطف في شتى المواقف التي تتعرض لها. استعد طفولتك بأن تسترجع أحد المواقف التي تعكس مشاعر الرعاية والاهتمام. وسيفيدك أن تبحث عن صورة شخصية لك في فترة الطفولة لتضعها على سطح المكتب أو على هاتفك الجوال. تعمل هذه الصورة كناقوس يقرع أجراس الخطر كلما تمكن منك أحد أعداء النجاح ستذكرك الطفولة بمعدنك الأصيل وجوهرك النبيل ويحقك في أن تنعم بقدر من الهدوء والاهتمام غير المشروط بمنأى عن مشاعر الغضب و الاستياء التي يفرضها عليك الأعداء. والأمر سيان فيما يتعلق بالآخرين فحين تنتابك مشاعر الغضب تجاه شخص ما بسبب محاولاته الإطاحة بك، يمكنك أن تولد تعاطفك تجاه هذا الشخص بأن تتخيله كما لو كان طفلا كي تبرز نواياه النزيهة حتى وإن بدت عكس ذلك.
2/ الاستكشاف
يتمخض عنها الطاقات والمشاعر القائمة على الشغف – الانفتاح – الدهشة حيث يخفق الكثيرون منت في معالجة بعض المواقف نظرا إلى التسرع في استخلاص النتائج واقتراح الحلول دون دراسة وافية ومتأنية فنغفل عن التفاصيل المحورية التي قد تشكل صلب القضية.
سر الصنعة: المستكشف الشغوف
ارتد عباءة المستكشف الذي يحركه الفضول وحب الاستطلاع والحرص على الإلمام بكل التفاصيل. يخول لك هذا التقمص أخذ الملاحظات وتدبر التفاصيل والملابسات بشكل موضوعي ودون أدني محاولة من جانبك أو بالأحرى من جانب أعدائك للتعديل أو التغيير أو إضفاء لمساتك وفرض توقعاتك الشخصية على الأمور. ففي المرة التالية وحين تجمعك خصومة بأحد الأشخاص، تخلص من مشاعر المكابرة وتراجع لثلاث دقائق عن موقف الهجومي وتقلد دور المستكشف وابدأ في تأمل الآخر واستيعاب مشاعره ودوافعه ومبرراته التي يتبناها. فربما يزيل هذا التأمل الغبار عن بعض الحقائق التي أغفلتها فيما مضى والتي قد تتمخض عن تغير محوري وحل سحري للأزمة بما يحقق رضا الطرفين.
3/ الإبداع
يكمن الإبداع الحقيقي في التفكير خارج الصندوق والخروج عن المألوف من بعض العادات والمعتقدات التي تعرقل تقدمنا. لكي تصون قدرات المنقذ الإبداعية وتحميها من سطوة أعداء النجاح عليك أن تنتج أكبر قدر ممكن من الأفكار المتعاقبة والمتوالية دون توقف. ودون أي محاولة للتقييم والتصحيح. التقييم يفسح المجال لأعداء النجاح بالتدخل وفرض الآراء السلبية. كأن يمارس المنتقد دون توقف ويبث سمومه في ذهنك ، “يا لها من فكرة سخيفة…” فيجهضها قبل حتى أن تشق طريقها إلى النور ويهزم محاولاتك الإبداعية.
سر الصنعة: “بالتأكيد…. وكذلك…”:
كي توظف سر الصنعة هنا بفاعلية عقب على أفكارك الجديد قائلا:”بالتأكيد تعجبني هذه الفكرة لأنها … وكذلك يمكننا…”. أهم ما يميز هذه الآلية هو ما تقدمه من تقدير وعرض للجوانب الإيجابية بدلا من الانتقاد والتركيز على المحاور السلبية قبل الانتقال إلى الفكرة الإبداعية التالية. تحرك بسرعة لتولد سلسلة من الأفكار المترابطة دون أن تدع مجالا للتشكيك والتفنيد تستطيع ممارسة هذا السر وحدك أو مع فريق العمل. فإن كنت تحاول مع فريق العمل أن تبدعوا بعض الأفكار التي توفر سبل الراحة والرفاهية. ويستمر فريق العمل في إنتاج المزيد من الأفكار على هذا المنوال دون أن يفتحوا لأعداء الداخل طريقا للنفاذ إلى لعبة الابتكار.
4/ الإبحار
يقصد بتمكين المنقذ من الإبحار قدرة الإنسان على التنقل بين الكثير من البدائل المتاحة وفقا لبوصلته الذهنية الخاصة. تتشكل إحداثيات تلك البوصلة وفقا لقيمك ومعتقداتك الداخلية الراسخة. ومع ذلك قد تتعرض هذه البوصلة كغيرها من الطاقات والسلوكيات إلى محاولات الهيمنة وتغيير المسار فكثيرا ما يحاول العدو “الحذر” مثلا: أن يحيد بسفينتنا تجاه الخيارات المأمونة والأقل مخاطرة والتي تقودنا في أغلب الأحيان إلى التأخر في الوصول أو إلى الميناء الخاطئ.
سر الصنعة : النظرة المستقبلية
حين تعترض رحلتك بعض العقبات أو تصل إلى مفترق طرق، توقف قليلا وألق نظرة خاطفة على المستقبل. تخيل نفسك بعد سنوات وفي نهاية رحلة الحياة الطويلة واسأل نفسك أي الطريقين ستختار إذا ما عاد بك الزمن إلى الوراء؟! فحين يبلغ الإنسان من العمر عتيا، يزهد في الحياة، ويتغاضي عن كل الأفكار المثبطة فتتلاشي مخاوفه التي كان يبثها في داخله أعداء النجاح. فيدرك ضآلتها وزيف مزاعمها. ولهذا يكتسب هذا السر فاعليته سواء للأفراد أو الجماعات بأن تسقط الأقنعة عن هؤلاء الأعداء لتتضح رؤية الإنسان ويترسخ لديه في النهاية كل ما هو قيم وهادف وحقيقي.
5/ التفعيل
تحفزك قدرة المنقذ التفعيلية على أخذ الخطوات وإتباع الإجراءات المنبثقة من تكثيف وتركيز الطاقات الذهنية والعاطفية بمنأى عن المشاعر المحبطة والسلبية. فإن أساء إليك شخص ما، فإنك تستطيع مثلا، أن تشغل وضع التعاطف لتقرر أن تسامحه وتتغاضى عما فعل، ومن ثم تحرر نفسك من مشاعر الضغينة تجاهه. وقد تود أن تسامحه بالفعل ولكن بأن تطلب مقابلا أو تعويضا ما! في هذه الحالة تكون قد انتقلت لوضع التفعيل حيث تبدأ في البحث المكثف عن سبيل التعويض اللائق والعمل على تنفيذها متجنبا مشاعر الغضب والاستياء وغيرها من مشاعر أعداء النجاح.
سر الصنعة: داهم أعداءك
ضع نفسك مكان أعداء النجاح الأكثر تحكما في توجهاتك وسلوكياتك وحاول أن تتنبأ بالمنافذ التي سيحاولون التسلل إليك من خلالها. توقع الأفكار و الاعتراضات والانتقادات التي قد تبثها في ذهنك لتحول دون تقدمك الأمر الذي سيساعدك في ترويضها وتقليص أثرها بمجرد أن تشق طريقها إليك.
العقل النفعي مقابل العقل المتدفق:
يتكون العقل النفعي من الأجزاء الأكثر بساطة وبدائية للعقل يعمل العقل النفعي وفق آلية الكر والفر التي تسخر طاقة الإنسان الذهنية والجسدية لمواجهة المخاطر التي تهدد بقاءه ومصالحه. تختزل هذه الآلية المهارات العقلية في عمليتي التنبؤ بالمخاطر وتفعيله منها، دون أن تدع مجالا لغيرهما من القدرات كي تبرز وتزدهر. تتمثل خطورة العقل النفعي في تسخيره وتفعيله لأدوات العقل المحفز على البقاء أي بالأحرى لأعداء النجاح مقلصا قدرة الذهن على تفعيل طاقات المنقذ. فالأمر يشبه تبادل المنفعة: حيث يغذي العقل النفعي أعداء النجاح في حين يمده الأعداء بالطاقة السلبية.
بالمقابل يشكل العقل المتدفق نوعا من الذكاء العقلي الذي يهب المنقذ طاقاته ويعزز إمكاناته يتكون العقل المتدفق من ثلاثة أجزاء هي:
- قشرة الفص الجبهي المتوسطة وهي: المسؤولة عن محاسبة النفس – التأني – قهر الخوف – الحكمة.
- الدوائر الشعورية وهي: مناطق متفرقة مسؤولة عن توليد التعاطف.
- العقل الأيمن وهو: الذي يعزز المشاعر الجسدية والروحية.
ومع تقدمنا في العمر تدعم سلوكياتنا العقل النفعي ويضمر العقل المتدفق وتخبو شعلته إلا أن الجانب المشرق للأمر يكمن في سرعة استجابة عضلات العقل المتدفق للتمرينات والأنشطة التي تنمي وتطور مهاراته. وهذا ما سنتناوله في إستراتيجية القمتين التالية.
4/ إستراتيجية تمتين العقل المتدفق
مثلما يساعد تركيز التمرينات الرياضية في تقوية عضلات معينة من جسمك، يساعدك تركيز انتباهك على ذهنك وحواسك في تقوية عقلك المتدفق. تمتن هذه الإستراتيجية عقلك المتدفق وتزوده بالطاقة اللازمة حيث يتطلب تركيز الانتباه والخروج من حالة التشتت بين الأفكار المختلفة تحفيز قشرة الفص الجبهي المتوسطة والجزء الأيمن من المخ. وقد أثبتت أحداث الدراسات أن هذا النشاط البسيط في ظاهره ينشط ويجدد طاقة العقل عن طريق تشكيل مسارات عصبية تظل فاعلة ومؤثرة حتى وإن توقف الإنسان عن ممارسة النشاط . فالأمر يشبه عضلات الجسد التي تظل بارزة وقوية رغم الابتعاد لفترة من الزمن عن مواصلة التمرينات الرياضية.