perfectionism

فعل الشيء على أحسن وجه ممكن هي ظاهرة يعاني منها الكثير من الناس، فتراهم يبالغون في تحسين عملهم لدرجة كبيرة، أو يضعون شروطا تعجيزية عندما يتعلق الأمر باختيار شيء ما أو عند إقامة علاقاتهم الشخصية، فهم يتوقعون الكمال من الناس مثلما يسعون إليه في أنفسهم. السعي وراء فعل الشيء الأمثل والأفضل هو السبب الأساسي للمماطلة في زمننا الحالي، ويزيد من صعوبة هذا المشكل هو صعوبة تحديده فالناس يضنون أنهم يأخذون كامل وقتهم لاتخاذ القرار الأصح.

فما هو السعي وراء الأمثل؟

يتجلى السعي وراء الأفضل عندما يؤجل الشخص العمل الذي ينبغي أن ينجزه من أجل إنجازه على أفضل وأحسن وجه ممكن، فهو يخشى أن لا يكون عمله مثاليا لذا تراه يؤجل حتى يكون على ثقة انه قد أنجز الأفضل. قد يقنع نفسه أنه بحاجة إلى وقت أكثر أو المزيد من المال أو المزيد من المهارة أو الدعم لإنجاز عمله، ولكن مهما يكن العذر فسيظل يؤجل لحظة قيامه بالعمل المطلوب. السعي وراء الأفضل قد يكون في أي مجال من مجالات الحياة، فالذين يعانون من هذه المشكلة يجدون صعوبة كبيرة في اقتناء حاجياتهم أو اختيار الوظيفة التي سيشغلونها أو حتى في اقامة علاقات مع الآخرين. إذا كنت تسعى دائما وراء الشيء الأمثل، فسوف تواجه الكثير من المشاكل لأنه نادرا ما يوجد هذا الشيء وإن وجد فإن الشيء الأمثل لا يبقى كذلك وقتا طويلا.

مثلا بعد شراء أفضل هاتف ذكي فبمجرد وصولك إلى المنزل يكون قد صنع هاتف أحدث منه وأفضل وأجمل فلم يعد هاتفك الذكي هو الأمثل. كما الأشخاص الذين يعانون من هذه المشكلة غالبا ما يندمون على قراراتهم عندما يعلمون بالخيارات الأخرى التي لم يأخذوها بعين الاعتبار. السعي وراء الأمثل يقود في النهاية إلى العديد من المشاكل وذلك لأن العالم لا يبقى على حاله طويلا، لن ينتظرك العالم حتى تقرر ما تريد، والقليل جدا من القرارات تحتاج الوقت الذي يخصصه الذين يعانون من هذه المشكلة لاتخاذها. هذه المشكلة تنعكس سلبا على حياة من يعانيها ولها الكثير من الآثار السلبية ولكن إليك الآثار السلبية الأكثر أهمية التي ستسببها لك:

سوف تضيع الكثير من الفرص

تضييع-الفرص

كما أشرنا مسبقا العالم لا يبقى على حاله طويلا، سوف تحظى بالعديد من الفرص في حياتك ولكن جل الفرص لها وقت محدود حتى يتسنى لك أن تغتنمها. إن استغرقت وقتا طويلا في التفكير فقد تفقد الفرصة كليا. الفكرة ليست تجاهل كل المجازفات، ولكن لا تبالغ في تقييم الفرص على حسب ما تبدوا عليه من الأهمية، فمعظم الفرص ليست بالأهمية التي تبدوا عليها وعندما تصبح تعطي كل فرصة القدر الصحيح من الأهمية يسهل عليك اتخاذ القرارات بسرعة من دون المخاوف الجانبية التي تصاحب اتخاذ القرار. كما تجدر الاشارة إلى أن القليل من القرارات التي نتخذها في حياتنا هي قرارات دائمة. إن تبين لك انك اتخذت قرارا خاطئا، يمكنك التراجع وجمع عدد أكبر من المعلومات والمعطيات حتى تتخذ قرارا أفضل في المرة القادمة.

أنت لا تقرر أبدا

no-decision

المشكلة في السعي وراء الأفضل لا تكمن في اتخاذ القرار الأفضل أو الخاطئ فحسب، وإنما في عدم اتخاذ قرار أصلا وهذه أسوء حالة ممكنة.    ومن المؤسف أن بعض من يعانون هذه المشكلة يقررون في بعض الأحيان أن تجنب اتخاذ القرار هو الحل الأمثل لتجنب العواقب. ولكن التجنب ليس طريقة لحل المشاكل، قدد تتجنب التعامل مع مشكل ما ولكن المشكل سوف يبقى ولن يزول لوحده، والشيء الأخطر في هذه الطريقة أن المشكل لا يبقى على حاله فحسب وإنما يكبر مع الوقت. فمثلا لو كنت مدينا للبنك فتجاهلك لهذا المشكل سوف يجعل الدين يكبر بالفوائد ويتعين عليك في النهاية التعامل معه، وكما في المثل: “إما أن تتعامل مع المشكلة عندما تظهر أو عندما تنفجر” لك الاختيار. أغلب المشاكل يتوجب عليك في النهاية التعامل معها ولكن حلها عندما تنفجر يكون أصعب بكثير من حلها في بدايتها.

سوف تكون دائما متأخرا

being-late

عند استعمالنا مثال الدين للبنك كان من السهل ملاحظة كيف يتطور المشكل ويكبر، ولكن هذا الأمر يبقى صحيحا في أغلب الحالات. في مجال العمل تظهر الانعكاسات السلبية لمشكلة السعي وراء الأفضل بجلاء، عندما لا تتخذ القرار في الوقت المحدد أو لا تتخذه أبدا فذلك سوف يجعلك متأخرا عن من ينتظر منك ذلك القرار، وإن واصلت تجاهل مشكلتك الأصل فذلك سوف يسبب لك المشاكل التالية في عملك:  

  •  يتراكم عليك العمل.
  • سوف تكون متوترا دائما.
  • سوف تصنف على أنك موظف غير منضبط.
  • إن كنت صاحب العمل فسوف تخسر الكثير من الزبائن.
  • لن تحصل على فرص كما في السابق لأن الناس قد فقدوا الثقة فيك.
  • تتراجع ثقتك في نفسك.
  • سوف تواجه مشاكل في مجالات حياتك الأخرى.

والكثير من الانعكاسات السلبية الأخرى…. مشكل السعي وراء الأفضل وانعكاساته يزدان كبرا ما دمت تتجاهله وترفض التعامل معه وحله.

الحل لمشكلة السعي وراء الأفضل

لقد تعلمنا منذ صغرنا أن نسعى وراء الأفضل في الحياة، تبدو هذه النصيحة قيمة إلى أن توقن أن الأفضل هو مفهوم نسبي، الطريقة الوحيدة للتيقن أنك قد اخترت الشيء الأفضل هو بمقارنته مع كل الأشياء والخيارات المطروحة، ومع تقدمك في السن تزداد الخيارات لديك ويصبح من غير المعقول أخذها جميعها بعين الاعتبار، والحل هو أن تختار الشيء الجيد وليس الأفضل، الشيء الذي يفي بالغرض وحسب ولا بأس من مقارنة بعض الخيارات. عند اختيار الشيء الذي يفي بالغرض فذلك سوف يزيح عن كاهلك مشقة البحث الشاق عن الأفضل الذي ربما لا يوجد أصلا. عندما يتعين عليك اتخاذ قرار أو حل مشكل ويكون لديك بعض الخيارات فإليك الخطوات التي يتوجب عليك القيام بها:  

  • اختر الشيء الذي تعتقد أنه جيد ويفي بالغرض.
  • ابدأ في تطبيق الخيار.
  • امنح نفسك بعض الوقت لتشاهد كيف تجري الأمور بعد الاختيار.
  • قيم نتائج الاختيار.
  • قرر التعديلات التي يمكن أن تحدثها.
  • طبق هذه التعديلات.
  • واصل في التقييم والتعديل على قدر الحاجة.

  مشكل السعي وراء الأفضل يدخل الشخص في حلقة مفرغة وذلك لأن معرفة الأفضل لا تتسنى إلا بعد الاختيار (جيد أو سيء) والملاحظة والتعديل، وهو ما لا يفعله الذين يعانون من هذا المشكل فهو يتوقفون عن المرحلة الأولى ويقضون كل وقتهم في التفكير في الأفضل مخافة اختارهم غير ذلك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *