يحتاج تعلُّم لغة جديدة إلى بذل الجهد؛ فأنت تتعلم طريقة جديدة للتواصل تساعدك على التواصل مع أناس غريبين عنك. ومع ذلك، فلتعلم لغة أجنبية فوائد كثيرة قد لا تتوقعها. هذا ما شعرت به وأنا أتعلم الكورية والإسبانية والإنجليزية.

مثلًا، حين يخسر شخص ما بعض وزنه، يشعر بتأثير ذلك حيث يتمتع بحياة أكثر صحةً، ولكنه يجني فوائد أخرى، كزيادة ثقته بنفسه، وصفاء ذهنه، وتحوُّله إلى شخص اجتماعي. والأمر نفسه ينطبق على تعلم اللغات.

اقرأ هذا المقال؛ لتعرف 12 فائدة غير متوقعة تجنيها حين تتعلم لغة جديدة.

التعلم بشكل أسرع

إن تعلم لغة جديدة يُصقل قدراتك الذهنية على أفضل نحو ممكن؛ إذ يجعلك تتدرب على حلِّ المشاكل بأسلوب قابل للتطبيق في أي مجال آخر.

وكذلك تزداد قدرتك على تذكر قَدْر أكبر من المعلومات، ويُمكِّنك ذلك من تقصير الفترة التي تحتاجها لدراسة ما تريد تعلمه، وزيادة قدرتك على اكتساب مهارات جديدة بشكل أسرع؛ لأنك تقضي وقتًا أكبر في تعلُّم أشياء جديدة بدلاً من استذكار أخرى قد تعلمتها بالفعل.

والأمر لا يقتصر على ذلك؛ فتعلُّم لغة جديدة يجعل من السهل تعلُّم لغات أخرى دون أن تدري! فإذا تعلمت الإسبانية مثلًا، فستدخل بذلك عالم اللغات اللاتينية كالبرتغالية والإيطالية والرومانية والفرنسية، وهناك أكثر من 1000 كلمة مشتركة بين هذه اللغات؛ إن لم تكُن شبيهة ببعضها إلى درجة كبيرة.

لاحظ مدى تشابه الألفاظ بين اللغات اللاتينية

تحسين مهارتك في الرياضيات

هل أنت من الذين يخافون من الرياضيات منذ طفولتهم؟! لا حاجة للخوف بعد الآن؛ ففي دراسة نُشِرت في ماساتشوستس عام 2007، ذكر المجلس الأمريكي لتعليم اللغات الأجنبية أن: “الأطفال الذين يدرسون لغة أجنبية يتفوقون في الرياضيات على الأطفال الذين لا يدرسون لغة أجنبية، حتى لو كانوا لا يذاكرون الرياضيات بالقدر الكافي!”

وفي دراسة أخرى نُشِرت في مجلة “تعلُّم اللغات”، الصادرة عن جامعة ميتشجن، ذُكِر أن: “الطلاب الذين درسوا لغة أجنبية لفصل دراسي واحد لمدة 90 دقيقة في الأسبوع حصلوا على نتائج أعلى في الرياضيات والآداب!”

الأمر يبدو منطقيًّا إن تأملته جيدًا؛ ففي تعلُّم لغة أخرى، تتم عملية منطقية مثل التي تتم في دراستك للرياضيات.

أن تكون مستمعا جيدا

نحتاج إلى هذه المهارة جميعًا طوال حياتنا. إن كنت ترغب في علاقة قوية مع أحد، فالاستماع الجيد له دون مقاطعة هو أفضل وسيلة لذلك، وهو أيضًا أحد المهارات الأساسية التي شرحها ديل كارنيجي في كتابه “كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس”.

عندما تتعلم لغة جديدة، فليس أمامك إلا أن تُعوِّد نفسك على الإصغاء؛ لكي تُتقِن نطق كل مخرج بدقة. فإن كنت مبتدئًا، يجب أن تُصغِي؛ لأنك لا تستطيع بعدُ التحدثَ باللغة التي تتعلمها.

وأهم ما في الأمر أنك تضع نفسك موضع الآخرين، وترى العالم من منظور مختلف تمامًا، ممّا يجعلك تشعر بما يشعر به الآخرون، وتُقدِّر مشاعرهم.

زيادة التركيز

يُسهِم تعلُّم اللغات في زيادة تركيزك، مثلما يحدث حين تتعلم مهارة جديدة؛ لأن الأمر يتطلب انتباهك الكامل. فإذا فقدت انتباهك لحظةً، فقد تخلط بين معنى كلمة وأخرى. وبمرور الوقت، يتعوَّد عقلك على الحفاظ على مستوى عالٍ من التركيز.

تعزيز ثقتك

عندما تُقرِّر أن تُحقِّق شيئًا وتنجح في تحقيقه، يُعزِّز ذلك ثقتك بنفسك، ولو كان ذلك الإنجاز صغيرًا.

إن تحقيق إنجاز صغير، كقدرتك على التحدث باللغة التي تتعلمها لمدة 30 ثانية فقط، يزيد ثقتك بنفسك؛ لأنك تشعر بإنجاز شيء كنت عاجزًا عن فعله قبل ذلك.

يقول إدوارد إستلن كامينغز: “حين نؤمن بأنفسنا، سنجرؤ على التساؤل، والفضول، والابتهاج العفوي، وكلِّ تجربة تكشف حقيقتنا البشرية”.

ما زلت أتذكر ذلك الشعور الذي انتابني عندما مررت بتجربة العيش في كولومبيا؛ حيث كنت أعيش في غرفة مع شخص لا يعرف كلمة إنجليزية واحدة، لكن بعد فترة من تعلمي الإسبانية، تمكَّنت من التحدُّث بها بطلاقة. لقد أذهلتني قدرتي على التحدث بهذا المستوى لشخص لم أكن قادرًا على مشاركته الحديث من قبلُ. وبالطبع، حين سقط حاجز اللغة بيننا، تطورت علاقتنا سريعًا، وصِرنا أصدقاء.

لقد دفعتني تلك الثقة إلى تعلُّم المزيد، والتفاعل مع السكان المحليين، وانعكست تلك الثقة على جوانب حياتي كلها.

يقول إريك هولزكلو، مؤلف كتاب “Lean Forward”: “أي تغيير بسيط في منظورك للحياة يجبرك أن تخرج من دائرة الخوف، ويدفعك لتستعد لمغامرتك التالية”.

الحماية من الأمراض الدماغية

يجب أن يكون الحفاظ على صحتك على رأس قائمة أولوياتك، مهما كان عمرك. يخطئ البعض حين يعتقد أن الحفاظ على الصحة يتعلق بالحفاظ على المظهر العام فقط، وينسى أهم عضو على الإطلاق، وهو الدماغ الذي يُحرِّك الجسد كله!

لا وجود للإنسان دون الوظائف الحيوية للدماغ؛ لذا يجب أن تهتم به كما تهتم بأي عضو آخر في جسمك.

إن تعلُّم لغة جديدة يحمي من الزهايمر والخَرَف، أو يؤخر ظهورهما بمعدل أربع سنوات ونصف؛ وهذا أكثر فعالية من أفضل العقاقير الموجودة الآن، والتي تؤخر ظهور الأعراض بمعدل 6-12 شهرًا فقط.

أجرت الأكاديمية الأمريكية لعلم الأعصاب أبحاثًا أثبتت أن التحدث بأكثر من لغة يزيد عدد المسارات العصبية في المخ، ممّا يسمح للمعلومات أن تمرَّ خلال قنوات كثيرة.

تتمتع بفهم أعمق للغتك الأم

عرفنا كيف يمكن لتعلُّم لغة واحدة أن يُسهِّل تعلُّم لغات أخرى لها نفس الجذر اللغوي، ولكنه أيضًا يساعد في تحسين لغتك الأم؛ لأن تعلُّم لغة ثانية يُطوِّر مهاراتك في النحو والقراءة والتحدث والكلمات في لغتك الأم.

إنه أمر منطقي؛ لأنك حين تتعلم لغة جديدة، تفهم البِنى اللغوية لها، وهذا يُمكِّنك من فهم البِنى اللغوية للغتك الأم، التي اكتسبت فيها تلك المهارات دون وعي في أثناء طفولتك.

زيادة إبداعك

تعلم اللغات أشبه بتجميع قطع الأحجية؛ فأنت تفهم عِدّة كلمات، لكنك لا تفهم جميع الكلمات. لذا ثابر واجتهد؛ لكي تصير مبدعًا في ملء الفراغات، وتُخمِّن معنى الكلمات غير المفهومة.

يوضح هذا البحث أن مُتعدِّدي اللغات يفكرون بطريقة إبداعية أكثر من أُحاديِّي اللغة؛ لأنهم لا يُنوِّعون طريقتهم في أثناء التحدث مع شخص آخر؛ حيث يكونون بين خيارين، إما الإبداع في الحديث، أو الاستماع لذلك الصمت المحرج.

الاطلاع على ثقافات مختلفة

إن تعلُّم اللغات لا يعني فقط تعلُّم التواصل بلغة أجنبية، بل هو أيضًا معايشة ثقافة جديدة. فإذا أردت مثلًا أن تتعلم ركوب الدَّرّاجة، فعليك أن تنزل الشارع، وتركب درّاجة، لا أن تشاهد فيديوهات عن ركوب الدَّرّاجة. كذلك تعلُّم اللغات؛ فلكي تتعلم لغة جديدة، يجب أن تقابل أهلها، وتتحدث معهم. ويجب أن تتدرب مع مدرس، أو تتبادل لغتك مع شخص آخر، أو تَحضُر اجتماعات نقاشية باللغة التي تتعلمها.

وأغلب الصراعات التي وقعت في العالم سببها انعدام فهم الطرف الآخر؛ لذلك يُمكِّنك تعلُّم لغة جديدة من التواصل مع الآخرين، ويُطلِعك على ثقافة كاملة، ممّا يساعدك على فهم العالم من حولك.

خلق فرص عمل جديدة

شاهدنا في العقد الماضي تسارُع نمو العولمة؛ ففي عصر الإنترنت، لا يوجد ما يُسمّى”عمل محلي”؛ فأكثر الشركات اليوم تعتمد على الإنترنت، ولديها إمكانية الوصول للسوق العالمية في ثوانٍ معدودة.

تعمل الشركات العالمية على التوسع؛ لتصل إلى كل مكانٍ في العالم. ومن المنطقي أن تكون معرفة لغة أجنبية أمرًا أساسيًّا كمعرفة Microsoft Word.

تقول إرين ميسن، اختصاصية اللغة في شركة توظيف كبرى، إن إتقان لغات جديدة يتيح لك العديد من فرص العمل، ويساعدك أن تضيف لراتبك نسبة تتراوح بين 10% و 15%.

صحيحٌ أن تعلُّم اللغات يحتاج إلى وقت ومجهود؛ لذا ابدأ الآن لتكون مستعدًّا لوظيفتك التالية.

تجربة طريقة جديدة للسفر

إن تعلُّم اللغات مهم لمَن يحب السفر. فمثلًا، إن كنت تتقن التحدث بالإسبانية ورغبت في السفر إلى إسبانيا، فستعيش تجربة سفر مختلفة تمامًا عمّا لو سافرت إليها دون أن تعرف شيئًا عن الإسبانية؛ لأن قدرتك على التحدُّث بلغة البلد الذي تزوره تعني قدرتك على الاعتماد على نفسك، لا الاعتماد على النصائح التقليدية التي تقرؤها على الإنترنت. وتستطيع أيضًا أن تُقوِّي علاقتك بالسكان المحليين، وتكتشف مطاعم جديدة، وتقوم بمغامرات رائعة لن تجدها على الإنترنت. سيمنحك تعلُّم اللغات تجربة السفر بعيون محلية، بدلًا من أن تُعايشها سائحًا.

تعميق علاقاتك

لن يختلف معي في هذه النقطة أي شخص حاول أن يتعايش مع أناس من ثقافات مختلفة، وقد خضت هذه التجربة بنفسي؛ إذ عانيت في أثناء عيشي مع عائلة كورية بسبب ضعف قدراتي اللغوية حتى نجحت في تحسين قدراتي بمرور الوقت.

والآن أرى الآخرين يعانون في علاقاتهم بأصدقائهم وعائلاتهم، حتى شركائهم في الحياة، بسبب اللغة. ونعيش اليوم في عالم أكثر مشاكله سببها يتعلق بالتواصل. والحل الوحيد لهذه المشكلة هو كسر حاجز اللغة، والتحدث سويًّا.

ما الفوائد التي تراها أكثر أهمية في هذا المقال؟ وما اللغات التي تنوي أن تتعلمها؟ أتمنّى أن تشاركونا آراءكم.

مقالات تهمك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *