هل تعبت من ذلك الصوت الخافت بداخلك، الذي لا يسمح لك بالارتياح قليلًا؟ مَن مِنَّا ليس كذلك؟ إنه كقردٍ صغيرٍ مجنونٍ لا ينام أبدًا! لسوء الحظ، تميل عقولنا دائمًا للتفكير السلبي. وإن فكرت في الأمر، فستجده منطقيًّا. على كلِّ حالٍ، لطالما كان اكتشاف التهديدات المحتملة مسألة حياةٍ أو موتٍ على مدار التاريخ البشري.

ومع ذلك، فحياتنا اليومية في العصر الحديث، لأكثر الناس، خاليةٌ من الأخطار التي تُهدد الحياة. وعلى هذا النحو، فكل ما تفعله أفكارنا السلبية أنها تحرمنا السعادة! وعدم القدرة على السيطرة على تلك الأفكار قد يخلق فوضى كبيرةً في حياتنا.

في هذا المقال خمس وسائل لتنويم ذلك القرد الصغير المجنون:

كرِّر عبارةً ما

الدماغ آلةٌ قويةٌ جدًّا، ولكن لا يمكنه التفكير في أمرين معًا. يمكنك استخدام هذا الأمر لصالحك عن طريق تكرارِ عبارةٍ ما حين تطرأ لك فكرةٌ سلبيةٌ، ومواصلةِ تكرار ذلك حتى تختفي الفكرة. يبدو الأمر بسيطًا جدًّا، أليس كذلك؟!

الأمر بسيطٌ من الناحية النظرية، ولكن في الواقع قد تجد لديك رغبةً قويةً في التفكير أو الاستجابة لأفكارك أو مشاعرك السلبية. يجب مقاومة تلك الدوافع، والتركيز على تكرار عبارةٍ ما. أنا شخصيًّا أحب تكرار عبارة: “أنا أحب نفسي”. وبغَضِّ النظر عن مدى القوة التي تفرضها تلك الأفكار عليك، فإن حياتها قصيرةٌ جدًّا في الواقع. لذا، حارب رغبتك في الاستجابة لتلك الأفكار السلبية؛ كي تذهب بعيدًا.

انتقل من الرؤية النقيرية إلى الرؤية المحيطة

لدينا نوعان مختلفان من الرؤية: المحيطية، والنقيرية. الرؤية المحيطية تسمح لنا بتتبع الحركة من حولنا، وتُبقِينا في حالة من الانفتاح والوعي. عند التركيز على الفضاء من حولك دون التركيز على شخصٍ أو شيءٍ بعينه، فأنت تستخدم الرؤية المحيطية.

على الجانب الآخر، تسمح لنا الرؤية النقيرية بتتبع هدفٍ متحركٍ؛ كي نحدد ما إذا كان يشكل خطرًا محتملًا. عند التركيز على شيء بعينه، فأنت تستخدم الرؤية النقيرية دائما ما تكون رؤية ضيقة وقاصرة.

في الماضي، اعتمد البشر على الرؤية المحيطية بشكلٍ أساسي. ومع ذلك، يقضي معظم الناس الكثير من وقتهم الآن في النظر في الهواتف، وأجهزة الكمبيوتر، وأجهزة التلفاز، والكتب، وغيرها. ونتيجةً لذلك، نعتمد أكثر فأكثر على الرؤية النقيرية.

حين تأتيك فكرةٌ سلبيةٌ، انتقل مباشرة إلى الرؤية المحيطية؛ فاستخدام الرؤية المحيطية يُثير الجهاز العصبي السمبتاوي، مما يزيد الوعي، ويُقلِّل الإجهاد، ويُوقِف الحوار الداخلي.

صنِّف أفكارك السلبية كأفكار عديمة الفائدة

يمكنك استخدام كلمة “عديمة الفائدة”؛ لتتجاهل أفكارك السلبية. لقد قرأتُ ذات مرةٍ عن رجل أعمالٍ ناجحٍ يستخدم تلك الحيلة لمواجهة أنماط التفكير السلبية. كل ما تظنُّ أنه سيوقف نمط تفكيرك السلبي يُوقِفه بالفعل. إذا كان هناك رابطٌ بداخلك بين فكرةٍ بعينها وشعورٍ بعينه، يمكنك تصنيف ذلك الشعور عندما تأتيك الفكرة؛ فتصنيف الأفكار والعواطف يخلق فصلًا فوريًّا بينك وبينها. يسمح لك هذا الفصل بمراقبة أفكارك بموضوعية، بدلًا من الانحسار في رَدِّ فعلٍ محصورٍ بين المواجهة أو الهروب.

راقِب أفكارك جيدًا

راقِب أفكارك السلبية بشغفٍ وموضوعيةٍ، كما يفعل العالم. تذكَّر أنك لست أفكارك، فلا يمكنها أن تُعكِّر صفوك دون موافقتك. ومع ذلك، قد تُدمِّرك إن لم تكن حذرًا، بأن تتسلل إليك وتستحوذ على انتباهك في أوقات تَعبِك ومللك. وقد تظهر لك بلا دعوةٍ، وتستدعي انتباهك بلا سببٍ محدد؛ لكنها ستُغادر في الحال إذا رفضتَ الاستسلام لها.

دوِّن أفكارك

تدوين الأفكار وسيلةٌ رائعةٌ لتصفية ذهنك، وكسب المزيد من الموضوعية. عندما تُسجِّل أفكارك، فأنت تقريبًا تَأْذن لعقلك بالتَّخلِّي عنها. إنها طريقةٌ أخرى للانفصال عما تفكِّر به، وإلقاء نظرةٍ محايدةٍ عليه. عندما تُدوِّن أفكارك وتُقرِّر ما تفعله حيالها، يصير ذهنك أقل عُرْضَةً للعودة بتلك الأفكار ومطاردتك بها.

دعني أُقدِّم لك نصيحةً أخيرةً من علم الأعصاب، ستساعدك على مقاومة الرغبة في التفكير: كلما قلَّ التفكير في فكرةٍ ما، ضعفت المسارات العصبية المرتبطة بتلك الفكرة أو الموضوع. نعم، على المستوى الفيزيولوجي، تؤثر أفكارك في دماغك. وكلما قاومت رغبتك في التفكير في فكرةٍ بعينها أو موضوعٍ بعينه، كان صعبًا على عقلك طرح هذه الأفكار أو المسائل.

محاربة الرغبة في الاستجابة لأفكارك السلبية قد تكون صعبة في بعض الأحيان. عندما يحدث ذلك، ما عليك إلا أن تقول: “أنا أُنشِّط ذهني في كل مرةٍ أمنع فيها نفسي من التفكير في هذا الأمر. هذا ما أفعله الآن”. كَمْ هو أمرٌ لطيف!

جرِّب تلك النصائح، وامنح ذلك القرد المجنون القسط اللازم من الراحة.

المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *