“أنتَ لستَ مستعدًّا لذلك”، يجتهد الجميع في إقناعك بهذه الجملة المُدمِّرة وأنت تشقُّ طريقك في الحياة. ستجد أناسًا يظهرون لك من حيث لا تدري ليقولوا بصوت يوحي لك بالخبرة العتيقة “إنك أحمق”، “ولا تعرف مصلحتك”، “ولستَ مُؤهَّلًا لاتخاذ قراراتك المصيرية بنفسك”!

مُؤكَّدٌ أن الأمر لا يحدث بصورة نمطية موحدة في جميع الأحوال، لكنه يحدث بشكل أو بآخر من باب الوصاية عليك!

افترض مثلًا أنك قررت ألا تُكمِل تعليمك، وفضَّلت أن تتعلم في ورشة ميكانيكي. ماذا تتوقَّع من والدك حينها؟ سيظنك معتوهًا، أليس كذلك؟!

ستدافع عن قرارك بأن المتعلمين لا يجدون عملًا، ومَن تخرَّجوا في كليات القمة لم تنفعهم شهاداتهم في شيء، والدولة تُولِيهم ظهرها؛ إلا مَن كان لديه واسطة.

لكن والدك سيهتم بما يراه الناس، وسيقول إن تعليق شهادة جامعية على جدار البيت خير من أن يُوبِّخه الناس إن تركك تُنفِّذ قرارك المجنون! ثم سينظر إليك بعينين فيهما صرامة وسطوة؛ قائلًا:

أنت لا تعرف مصلحتك

إن حصلت على درجة عالية وأردت دخول كلية الفنون الجميلة لتتعلَّم الرسم، فسيثور والدك، ويقول إنه ليس عاقلاً مَن يترك كليات القمة ليصير رسّامًا. ثم سيقول:

أنت لا تعرف مصلحتك

افترض أنك درست الطب، وأحببت أن تُؤدِّي رسالتك بين المرضى وفي المستشفيات. ربما تذهب إلى وحدة صحية في منطقة فقيرة؛ لأنك تشعر بواجبك، لكن ستجد مَن يقول إنك أحمق؛ لأنك يجب أن تمتلك عيادة فخمة في حيٍّ راقٍ من أجل أن تجني مالاً، وتشتري بيتًا فخمًا ذي إطلالة متميزة على البحر! وسينظر إليك قائلاً:

أنت لا تعرف مصلحتك

قد تُحب فتاة تراها مناسبةً لك، لكن يأتيك مَن يقول إنها غير جميلة، أو غير مُتعلِّمة، أو لا تُجيد الطهو، أو تضحك بطريقة ليس بها حياء، أو إنها فأل شُؤْم! ثم ينصحك أن تتزوَّج من فتاة أخرى، يراها هو بلا عيوب. فإن حاولت أن ترفض، فسيعلو ألف صوت من عائلتك؛ قائلين:

أنت لا تعرف مصلحتك

قد تُبدِي رأيك في بعض القضايا الفقهية، فتجد مَن يقول إنك جاهل، وغير مُؤهَّل للتحدث في مثل هذه القضايا، ومن أنت لكي تُخالف هذا الشيخ، وذلك العلَّامة. ثم يقول لك بازدراء:

أنت غير مُؤهَّل

يحدث هذا الأمر في المجتمعات الغربية بشكل مُختلف؛ فهناك إحساس بالخوف والرهبة من اتخاذ القرارات المصيرية، فمَن يريد مثلاً أن يكون مُبَرْمِجًا سيجد مَن يقول له: “عليك أن تعرف كل صغيرة وكبيرة عن لغة البرمجة التي تتعلَّمها، وأن تحصل على دورات علمية حتى تكون مستعدًّا؛ لكن هل ستكون مستعدًّا حقًّا؟!”.

دعنا نتفق أولاً أن الحياة لا تجري كما نريدها أو نتصورها. نعم، قد يحدث ما تريد، لكن ذلك ليس مقياسًا دائمًا؛ فالحقُّ أن حركة الحياة تختلف عن تصورنا المثالي.

لا تظن أنك يومًا ما ستكون مثاليًّا لا تُخطئ في مجالك؛ فما انتظار هذه اللحظة إلا تضييع للوقت! ولا تظن أنني أريدك أن تكون مُتهوِّرًا أو تندفع بحماسة إلى ما تريد، بل أقول لا تقف في مكانك تنتظر أن تكون مستعدًّا.

تقدَّم خطوات قليلة، واتخذ قرارات بسيطة، وتخلَّ عن خرافة أن تنتظر الشيء حتى تأتي لحظته المناسبة؛ لأن تلك اللحظة المناسبة لن تأتي إلا وأنت تتحرك بالفعل في طريقك إليه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *