طوال تاريخ البشرية، يُنظَر إلى العلاقة بين الأم وابنها على أنها علاقة ذات طابع خاصٍّ؛ حيث يرى كثير من الأمهات أن الأبناء يمنحونهن إحساسًا بالكمال. تقول إحداهن: “من خلال ابني، عثرت على الجزء المفقود في شخصيتي”.

تُولِي المجتمعات الأبوية أهميةً كبرى للأبناء الذكور، وقد يصير الأمر في بعض الأحيان أشبه بالهوس. ففي الهند، تُقَام طقوس خاصة للحصول على أبناء ذكور. وتتمثل أهمية الأبناء الذكور في الحفاظ على اسم العائلة، ورعاية الوالدين في كبرهما، وضمان خلاص الرُّوح بعد الموت حسب المعتقدات الهندية القديمة. ولذلك، نجد أن الأبناء الذكور يَحْظَونَ بمعاملة أفضل؛ سواء من حيث نوعية الطعام، أو الرعاية الصحية، أو التعليم. وفي بعض البلدان، نجد أن تفضيل الذكور يؤدي إلى إساءة معاملة الإناث، وإهمالهن.

أظهرت البحوث الحديثة أن النساء لديهن مجموعة خلايا عصبية، مرتبطة بكونهن أمهات، وهذه الخلايا العصبية هي التي تحدد سلوك الأم، وهل هي أم جيدة أَمْ سيئة. تتكون هذه الخلايا العصبية في فترة الحمل، وتبدأ العمل بعد الولادة. وقد توصَّل العلماء إلى اكتشاف أجزاء معينة وخلايا عصبية في المخ هي المسؤولة عن طبيعة شخصية الأم. وعلى الرغم من هذا، لم يتوصل أحد حتى اليوم إلى السبب الذي يجعل الأم تميل لأبنائها الذكور أكثر من الإناث. يعتقد البعض أن هذا الأمر راجع إلى حقيقة أن الأم تتوقف قدرتها على الإنجاب عند سِنٍّ معينة؛ لذا يكون أبناؤها الذكور هم وسيلتها الوحيدة لحماية ذريتها، والحفاظ على جيناتها في الأجيال القادمة.

وعندما ينشأ هذا النوع من الحب القوي بين الأم وابنها، فإنها تهتمُّ به اهتمامًا كبيرًا، وتسعى إلى حمايته من أيِّ مخاطر؛ فيرتبط بها الابن ارتباطًا وثيقًا قد يؤثر في حياته فيما بعدُ. والتاريخ ذاخر بالعديد والعديد من القصص التي تُبرِز العلاقة الخاصة بين الأم وابنها.

في السنوات الأولى من عُمْر الطفل، تكون العلاقة الوثيقة بين الأم وابنها ذات أهمية كبرى في تشكيل شخصية الطفل، وغالبًا ما يشعر الطفل بالحزن والخوف عندما يفتقد حضن أمه؛ ولكن يجب على الأم أن تدرك أن تلك المرحلة مجرد مرحلة مؤقتة، ويجب أن تنتهي تلك المرحلة مبكرًا؛ خاصة إذا كان الأبناء ذكورًا؛ لأن التدليل الزائد يُعرِّضهم لكثير من المشاكل في حياتهم المستقبلية. ولا شك أن “عقدة أُودِيب” تُعَدُّ هي الأشهر من نوعها في التعبير عن تعقيدات العلاقة بين الأم وابنها. ففي الأسطورة اليونانية، نجد أن “أُودِيب” الابن وقع في حب أمه حتى إنه قتل أباه؛ ليتزوج أمه.

وفي الفترة بين 18 شهرًا وثلاث سنوات، يبدأ الطفل في الانتباه إلى هويته الجنسية، ويبدأ في تكوين مفهوم حول ذاته عن طريق اكتشاف جسده. وفي الفترة من ثلاث إلى خمس سنوات، تبدأ الرغبة الجنسية في النموِّ لدى الطفل. ويمكن أن نُطلِق على هذه المرحلة “مرحلة أُودِيب” حين يبدأ الطفل في الميل إلى أمه، والغيرة من أبيه. وهذه المرحلة مؤقتة، وينبغي للأم أن تتعامل معها بذكاءٍ؛ حفاظًا على صحة الطفل النفسية.

أسباب مشاعر الأم غير الطبيعية:

عندما تتعرض الأم، في طفولتها، لإهمال والدها لها، قد تميل إلى المبالغة في مشاعرها تجاه ابنها؛ كنوع من التعويض عن تلك المشاعر التي افتقدتها. وقد ترغب الأم في الاحتفاظ بابنها، وعدم التفريط فيه لامرأة أخرى. وهذا الأمر ليس طبيعيًّا؛ لأن الابن سوف يفارق أمه يومًا ما؛ سعيًا وراء بناء حياة خاصة به. وهناك العديد من المشاهير الذين عانوا بسبب علاقاتهم بأمهاتهم. على سبيل المثال، أندرو كارنيجي، رجل الصناعة الأمريكي الشهير، طلبت منه أمه ألا يتزوج إلا بعد وفاتها، وفي النهاية تزوج وهو في سِنِّ الثانية والخمسين بعد وفاة أمه بعام واحد.
قد تعاني الأم من إهمال زوجها إما بسبب عمله، أو طبيعته الجافة، أو عدم إخلاصه. وفي هذه الحالة، تَزيد اهتمامَها بابنها، وتستعيض بمشاعرها نحوه عن مشاعرها تجاه زوجها.

الآثار المُدمِّرة لهذه العلاقات غير الطبيعية على الطفل:

يَحُدُّ الاعتماد الزائد على الأم من النمو العقلي والعاطفي للطفل، ويجعله غير قادر على مواجهة تحديات الحياة؛ بل قد يؤدي أيضًا إلى العديد من المشكلات السلوكية.
عدم القدرة على الاحتفاظ بعلاقات إيجابية مع الآخرين، ودائمًا ما ينتهي به الأمر إلى الفشل في علاقاته الاجتماعية.
قد يؤدي الأمر في نهاية المطاف إلى مشكلات تتعلق بالميول الجنسية.
الآثار المُدمِّرة لهذه العلاقات غير الطبيعية على الأم:

المرأة التي تُكرِّس كلَّ وقتها واهتمامها لطفلها بالطبع سوف تخسر زوجها الذي قد ينصرف اهتمامه إلى خارج المنزل؛ ليقيم علاقات مع نساء أُخرَيات، أو قد يلجأ إلى أصدقائه؛ ليجد بينهم الدفء الذي يفتقده داخل المنزل.
قد تظنَّ الأم التي تُفرِط في تدليل ابنها أنه لن يفارقها أبدًا، ثم تكون الصدمةُ عنيفةً عندما يُفاجِئها ابنها برغبته في الاستقلال بحياته بعيدًا عنها.
كيفية الحفاظ على علاقة صحية بين الأم وابنها:

يجب عليكِ احترام شخصية ابنك، ومعاملته باحترام، ومساعدته على تنمية شخصيته.
احرصي على تحقيق التوازن الجسماني والعقلي والرُّوحي لابنك.
ضَعِي حدودًا للعلاقة، وابتعدي في الوقت المناسب.
يجب أن يشارك الأب في تربية الأبناء، ولا يكون بمعزل عنهم. ويجب أن يكون الهدف الأساسي للتربية هو تعزيز النضج والاستقلالية، والاعتماد على الذات، وتنمية الخصال الحميدة.
لا تجعلي زوجك يشعر بأنك تُهمِلينه. تحدثي معه كثيرًا، وأظهري له الاهتمام، واحرصي على تَعهُّد الحب الذي بينكما بالرعاية.
كوني نموذجًا يُحتذَى به، واجعلي ابنك يتعلَّم منك كيفية احترام الآخرين؛ وخاصةً زوجته.
تذكَّري أن طفلك لن يحلَّ محلَّ زوجك؛ فلا تُلقِي عليه بمسؤوليات أكبر من سِنِّه.
وزِّعي اهتمامك بين جميع أطفالك، ولا تَقْصُريه على ابنٍ واحدٍ فقط.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *