التعليم

نجد أن هدف التعليم ليس إنتاج معارف جديدة بل هو نقل المعارف من جيل إلى جيل جديد لذا تتسم المنظومة التعليمية بأنها “شديدة التحفظ”. ولهذا نجد الأساليب التربوية التقليدية تخنق التفكير الحر – وتفسد مناخ الابتكار – وتحطم فضول الطلا على صخرة التقليد والإتباع. حتى في أرقى الجامعات فهم يحفظون الحقائق عن ظهر قلب ولكنهم لا يفهمونها وليس لهم الدافع للتشكيك فيها.

مع تطور العصر الرقمي الجديد لم يعد أبناء هذا الجيل يريدون أن يمضوا أعمارهم في حفظ معلومات لا حاجة لهم به ولا تساعدهم في الأمور التي يعتبرونها مهمة وذات قيمة. ولذا أصبح المعلم يتعلم من طلبة كما يتعلم الطلاب من المعلمين. وبذلك إعادة النظر في دور المعلم أمر هام لأنه في عالم تحكمه شبكة الانترنت تتغير وتتشابك قنوات نقل المعرفة كل يوم ومعظم المصادر والموارد والأدوات صارت متاحة الآن مجانا للجميع في كل مكان. فمشروع مثل “أكاديمية خان” يتيح أكثر من 3000 درس عبر مقاطع الفيديو في العديد من المواد الدراسية وبالمجان.

مدارس مبدعة وآباء مبدعون

تستطيع أية أسرة أن تشجع أبناءها على الابتكار إذا بدأت البداية الصحيحة، لا تزحم جدول أبنك بالاستذكار وحسب أتح له الوقت والمجال لكي يلعب، اختر له ألعابا تحفز الخيال وشجعه على ممارسة هواياته وميوله وقراءة كتب بخلاف كتب المدرسة عوده عللا العمل الجماعي لا تأخذ القرارات نيابة عنه أو تتدخل في أدق تفاصيل حياته ساعده في تشكيل بوصلته الأخلاقية أطلعه على الثقافات الأجنبية دعه يجرب علمه النظام، ولكن أعطه الفرصة ليتفاعل تفاعلا بناء.

من ناحية أخري على المدارس أن تشجع كل طفل على اللعب والاستكشاف واستخدام التكنولوجيا والتعاون مع الآخرين. يجب ألا تقيد سلوكياته وأن تبتعد عن أسلوب الحفظ والتلقين وتدعمه في استكشاف مسارات مختلفة في حياته و الأهم من ذلك أن تقضي على فكرة “التعليم بالجملة” وتتوقف عن قولبة الطلاب وإنتاجهم في خط إنتاج متشابه وكأن أسلوب تعليميا واحدا وموحدا يناسبهم جميعا.

جامعات مبدعة

ظهرت جامعات مبدعة تقدم نموذجا للمنظومة التعليمية المثالية هذا ما يتضح من خلال نموذج كلية “أولين” التي ترتكز على تنمية الحافز الفطري للتعلم لدى الطلاب كما تتبع كلية “تيم أكاديمي”  منهجا مختلفا تماما، إذ لا تضم فصولا ولا معلمين وبدلا من ذلك يتم قبول الطلاب كفرق عمل تتعاون معا في تنفيذ مشروعات واقعية.

عندما سئل أحد طلبة “هارفاد”: ( ما الذي ينقص المواد التي تدرسها لتكون أكثر أهمية وفائدة؟ كن رده: لا بد أن تكون متصلة بالعالم الذي نعيش فيه – فتترجم إلى تجارة وصناعة وعمل اجتماعي).

كلية “أولين وإعادة تعريف التعليم

أولين كلية هندسية صغيرة في ولاية ماساتشوستس الأمريكية تضم 350 طالبا في بداية تأسيسها عمل الأساتذة بالتعاون مع 30 طالبا على تصميم واختيار منهج تعليمي مبتكر و يغرس مفاهيم تأسيس المشروعات وحب الفنون و العلوم الإنسانية و الاجتماعية في التعليم الهندسي ليعكس الممارسات الهندسية العلمية الصحيحة و اليوم نجحت الكلية في التطوير مهنة الهندسية بصفات مهنة إبداعية تهتم بالأتي:

  1. النظر بعين الاعتبار إلى الاحتياجات الإنسانية و المجتمعة.
  2. التصميم المبتكر للنظم الهندسية.
  3. تحقيق القيمة من خلال المجهود التطوعي والخيري.

نجد أن في معظم الدول تحتفي المدارس والجامعات بالانجازات الفردية وتكافئها دون أن تتيح المجال للتعاون بين الأفراد والإنجاز الجماعي يتم تقييم كل طالب بناء على مستوى تحصيله وإنجازاته الخاصة والفردية. وذلك من خلال الاختبارات وحتى في الأنشطة الجماعية عادة ما يتولى طالب أو اثنان معظم المسؤولية بينما يجلس بقيمة الفرق دون مساهمة كافية . ففي المؤسسات التقليدية التعاون الجاد والمتوصل ليس مطلبا ملخا لا للمعلم ولا للطالب.   

أما في كلية “أولين” فهناك عدة شروط لطلابها هي:

  • تأسيس مشروعاتهم وإدارتها في فرق كمطلب أساسي للتخرج.
  • ضرورة أن يعمل الطلاب في مجموعات لتصميم منتج جديد أو تقديم خدمة جديدة بناء على أبحاث السوق واستطلاع رأي العملاء.
  • عند القبول ينفذ الطلاب مشروعا جماعيا كجزء من التقييم قبل الالتحاق بالكلية.
  • كما يتطلب كل فصل دراسي أشكال من العمل الجماعي. ونجد أن التعاون والإحساس بالانتماء هو أكثر ما يقدره الطلاب في هذه الكلية وينطبق ذلك على الأساتذة.

في معظم السياقات التعليمية يكون التعليم عملية سلبية فالطلاب يستمعون فقط للمعلم فيستهلكون المعرفة ولا ينتجونها ثم بعد ذلك يسترجعونها من أجل الإجابة عن الاختبارات عدم استخدامهم للمعرفة التي اكتسبوها وعدم تطبيقها في سياق عملي واقعي يؤدي إلى نسيان قدر كبير منها بمجرد انتهاء الاختبار فلا يكونون مؤهلين للانتقال إلى المرحلة التالية من تعليمهم.

ولكن في كلية “أولين” لا يتمحور الهدف الأساسي  حول اكتساب المعرفة وإنما حول تنمية المهارات (أو الكفاءات المحورية) عن طريق حل المشكلات وتصميم المنتجات المبتكرة يظل اكتساب المعرفة مهما ولكنه يتم حسب الحاجة فهو وسيلة إلى غاية. ينتقد كثير من المعلمين التقليديين هذا الأسلوب ويصفونه بالنفعي لكن الأدلة تثبت ان طلاب “أولين” مؤهلين تمام للحياة العملية. وهو أحد الأهداف الأساسية للتعليم، هذا علاوة على تقييم أصحاب الشركات لهم ووصفهم بأنهم يتصرفون ويعملون كما لو كانوا يتمتعون بخبرة خمس سنوات في مجالهم.

سلمان خان ونموذج التعليم بالمقلوب

نجد إن ” سلمان خان” قام بإعداد مقاطع فيديو ونشرها على موقع “يوتيوب” للمساعدة في تعلم المفاهيم الرياضية. وانتشرت الفكرة على أوسع نطاق حتى تحولت إلى أكاديمية خان التي استطاعت الآن إنتاج الآلاف من الفيديوهات التعليمية القصيرة في جميع مجالات المعرفة حتى أصبح كثير من المعلمين يوجهون طلابهم إلى المقاطع التي تخدم درسهم كنوع من الواجب المنزلي لكي يكون وقت الحصة مخصصا فقط لتنفيذ المشروعات التي تساعد الطلاب على تطبيق ما تعلموه من هذا الدرس. ويرى “خان” انه لا داعي لتقسيم الطلاب إلى مراحل دراسية حسب أعمارهم بل يجب أن نتركهم يتعلمون بالكم والسرعة التي تناسب كلا منهم. فلا يتنقلون إلى الدرس التي إلا عندما يجيدون ويتقنون مفاهيم الدرس الذي يسبقه. يشاهد الطلاب مقاطع الفيديو التي تقدم هذه المفاهيم باعتبارها واجبا منزليا ثم يذهبون في اليوم التالي إلى المدرسة ليعرضوا ويناقشوا ما تعلموه في هذه الحالة لن تكون هناك حاجة إلى معلم يشرح لجميع الطلاب بنفس المتطلبات وكأنهم يتمتعون بنفس القدرات.

في القرن الحادي والعشرين أصبح علمك أقل أهمية بكثير مما تفعله بهذا العلم. يتحدث جميع المبدعين عن قدوة أو معلم كان له عظيم الثر في تغيير مسار حياتهم. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *