يتصدي الأفراد للتحديات الشخصية التي تفرضها عملية الابتكار عندما يشعرون بانتمائهم إلى مجتمع يسعى إلى تحقيق هدف أهم منهم كأفراد واكبر من أن يحققه أي فرد منهم على حدة. ومن هنا يظهر دور المجتمع الذي ينمي حس الانتماء والهوية في أفراده حيث يشعر أفرادها بالترابط ويؤدون أدوارهم بشغف لدعم قضايا ومبادرات مجتمعهم وتطويرها كما يشعرون بنوع من المسؤولية تجاه هذه القضية ويؤمنون بأن نجاحها يعتمد على كل فرد منهم وبالتالي ينبثق داخل كل فرد حافز يدفعه إلى بذل أقصى ما يستطيع حتى لا يخذل أبناء مجتمعه ويتضاءل داخله حس “الإناء” مما يدفعه إلى المجازفة والتعامل مع غير المألوف لتحقيق الصالح العام وتحقيق الذات من خلال الآخر.

لا يستطيع أي قائد تكوين مجتمع بمجرد إصدار أمر بذلك. وبدلا من ذلك قام قادة مثل “نايار – كاتمول” بتكوين مجتمعات مبتكرة وتعاونية وجعلوا لهذه المجتمعات هدفا حيويا ومهما لا يتحقق إلا بتضافر الجهود الجماعية. لم يلجأ هذان القائدان إلى وضع أهداف تخدم مصالحها الخاصة بل حدد أهدافا تلامس وجدان الناس. يمكن أن تكون هذه الأهداف مفيدة للناس والمجتمع بوجه عام مثل إنتاج أفلام عائلية لإضحاك الناس أو تطوير نماذج أعمال للمؤسسات من خلال تقنية المعلومات وغير ذلك من الأهداف. فوجود هدف مشترك يوحد عمل كل فرد مع نظيره ويزرع داخل الأفراد الرغبة في تخطي الصعوبات التي تولدها الصراعات الحتمية في سبيل تعاونهم لتحقيق الابتكار مما يؤدي إلى ازدهار العمل والنبوغ الجماعي. فالهدف المشترك هو ما يؤدي إلى بناء المجتمعات وتميز المؤسسات وليست القوة الجبرية و سلطة القائد.

أهمية القيم المشتركة

يتبني أفراد المجتمع الواحد قيما مشتركة ومحددة. فإذا كان الهدف يحدد هوية المجتمع فإن قيمه تحدد أكثر ما يهم هذا المجتمع. وتؤثر هذه القيم أيضا على التفكير الفردي والجماعي بإعادة صياغة أولويات الأفراد وخياراتهم. ورغم اختلاف المجتمعات والمؤسسات في القيم والأهداف التي تدعمها فإن الدراسات اتفقت على وجود أربع قيم أساسية مشتركة بين جميع هذه المؤسسات وهي:

  1. الطموح الشجاع: يرغب أبناء المجتمعات المبدعة والمبتكرة في حل أكثر المشكلات تعقيدا والتصدي للتحديات الفريدة التي عجزت الأفكار أو العمليات التقليدية عن التغلب عليها.
  2. التعاون: تقدر الشركات المبتكرة قيمة التعاون وتتخذ خطوات سباقة لدمج التعاون في طريقة عملها. فهذه الشركات تدرك جيدا أنه يتم الوصول إلى أقصى حدود الإبداع في العمل من خلال تفاعل الأفراد الذين يتبنون أفكارا متنوعة بشكل وثيق لدمج أفكارهم في حل مبتكر.
  3. التعلم: تعتبر الرغبة في التعلم أساس عملية الابتكار وبخاصة فيما يتعلق بالتعاون والاكتشاف. فهذه الرغبة تدفع الأفراد لإلى تلمس طرق عدة وسبل شتى لحل المشكلات العويصة التي تواجههم ومن ثم تحقيق طموحات فريدة من نوعها.
  4. المسؤولية: تنبع هذه القيمة من حس عميق بالواجب تجاه المجتمع ككل والأفراد بعضهم تجاه بعض. فنظرا إلى انعكاس نتائج كل تصرف يقوم به كل فرد على زملائه يحاول جميع الأفراد الارتقاء بمستوى عملهم إلى أقصى درجة ممكنة.

الابتكار والمستقبل

يعكف بعض القادة على إجراء التجارب لمعرفة كيفية التصدي إلى التحديات التي تواجههم في صنع المستقبل. لتحقيق هذا الهدف يحاول بعض القادة إنشاء ما نطلق عليه “النبوغ الجماعي” في طبعته الثانية 2.0 ” يهدف هذا التطبيق إلى حل المشكلات التي يجدونها ويصطدمون بها من خلال الاستعانة بأطراف داخل المؤسسة وخارجها وفي القطاعات المختلفة أيضا لقد توصل هؤلاء القادة إلى ما أكدته الأبحاث وهو أنه لم يعد بالإمكان معالجة مشكلات العمل المعاصرة بالاعتماد على نفس الطرق التي تعمل بها المؤسسات أو بتلمس الحلول المعرفية بالطرق التقليدية. لنصل إلى حلول ناجعة اكتشف هؤلاء القادة ضرورة الاعتماد على دمج المؤسسات ومجموعات الخبرات التي تم الفصل بينها بدافع التنافس فيما مضى للاستفادة منها. لقد سعى هؤلاء القادة إلى أنشاء أنظمة تتخطى الحدود التقليدية القائمة بين المؤسسات والقطاعات وكانت أمامهم تحديات واضحة لتحقيق ذلك الهدف ناهيك عن المشكلات الناجمة عن تعزيز روح الابتكار داخل المؤسسة الواحدة وليس صعبا تصور ضخامة العقبات التي تحول بين مجموعة من المؤسسات التي يسبق لها التعاون من قبل.

وضع نظام يشجع على الابتكار

تتصف معظم التحديات بالتعقيد الشديد إلى الحد الذي يتجاوز قدرات المؤسسات القائمة أو الطرق والنظم التقليدية على التصدي لها ويتطلب حل هذه التحديات تضافر الجهود ودمج وجهات النظر والخبرات المستمدة من عدة مجالات.
ولذا دعت الحاجة إلى وضع طرق جديدة للابتكار تخترق الحدود التقليدية ومجالات المعارف والمنظمات والمؤسسات العامة والحكومات وحتى الدول وبعبارة أخرى يتطلب الأمر اتباع نظم مبتكرة أو ما نطلق عليه اسم “الإصدار الثاني من تطبيق النبوغ الجماعي 2.0” وتطبيقه عبر المؤسسات أو الشبكات أو القطاعات المختلفة.
يتزايد عدد المؤسسات التي تعمل وفق هذا المنهج يوما بعد يوم وتحاول هذه المؤسسات استكشاف مجالات الخبرات المتعلقة بنطاق أعمالهما وأيضا تلك التي لا تمت إليه بصلة على حد سواء. وكلما زاد حجم المشكلات وتعقيدها والنتائج المترتبة عليها زادت الجهود المبذولة لحل هذه المشكلات أيضا.

دفع عجلة الابتكار أو التخلف والاندثار

يعمل بعض القادة في مؤسسات تمثل المادة الخام للإبداع والابتكار بينما يدير بعضهم الآخر مؤسسات ضعيفة تكافح بكل ما أوتيت من قوة للبقاء على الخريطة لأنها ضلت طريقها وصارت بحاجة ماسة إلى التجديد. لقد مرت ابتكارات الفرق المبدعة وقادتها بجميع مراحل فحص وفرز المنتجات والخدمات وإجراءات العمل ونماذج الأعمال والمشروعات الاجتماعية ولذا يجب أن تعمم الدروس المستفادة من خبراتهم على جميع المؤسسات العالمية التي تواجه تحديات وتغييرات مستمرة مما يضع هذه المؤسسات أمام خيارين :إما مواكبة عجلة الابتكار. وإما التخلف والاندثار!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *