دور القائد في بث روح الابتكار

يكمن تحدي الابتكار في أن الابتكار المؤسسي يتطلب اكتساب بعض المهارات التي يمكن للقائد أن يشجع على ظهورها ويساعد على تنميتها. وثمة ثلاثة إمكانات أساسية في هذا الصدد وتمثل هذه الإمكانات الجوانب الثلاثة الرئيسة في عملية الابتكار:

1/ التفاعل الإبداعي

يعتبر أول القدرات الثلاث الضرورية لتمكين أي مجموعة من الابتكار والإبداع. ودائما يتضمن التفاعل الإبداعي نوعا من الجدال والخلاف. لذلك تظهر أفضل نتائج هذا التفاعل عندما يحدث داخل مجتمع متنوع الخلفيات يرتبط أفراده بعضهم ببعض من خلال هدف واحد يسعون إلى تحقيقه وقيم مشتركة يؤمنون بها وقواعد تحكم الصراع وتوجهه إلى تحقيق نتائج مثمرة وتمنعه من الدخول في دوائر المصلحة الشخصية والتصرفات الهدامة.
التفاعل الإبداعي عبارة عن عملية تتطلب اتخاذ عدة خطوات بسبب ندرة ظهور الحلول المبتكرة بسرعة.

وبدلا من ذلك تشير الأدلة إلى أن معظم الابتكارات تنتج عن تصادم الأفكار ووجهات النظر المختلفة والطرق المتنوعة في معالجة المعلومات. ولتحقيق هذا الغرض يجب أن تنتج المجموعات أولا الكثير من الأفكار وتتواصل فيما بينها لتبادل هذه الأفكار كم حدث في “بيكسار” للتواصل إلى فكرة استثنائية واحدة.

وكما قال “توماس أديسون” لتخرج بفكرة واحدة رائعة عليك أن تأتي بأطنان من الأفكار ويجب ألا نخلط بين التفاعل الإبداعي والعصف الذهني. فكلاهما يهدف إلى إنتاج أكبر قدر ممكن من الأفكار ولكن الفارق يكمن في أن التفاعل الإبداعي كما يوحي الاسم يتضمن نقاشا مستمرا وتقييما للأفكار ومقارنتها بينما لا يوجد مجال في العصف الذهني للتعليقات النقدية للأفكار التي يتم توليدها وذلك للحصول على اكبر قدر ممكن منها مهما كانت غريبة أو بعيدة الاحتمال . ينجح التفاعل الإبداعي من خلال عنصرين هما:

  • التنوع: وجود أفراد يفكرون بطريقة مختلفة.
  • الصراع: الصراع المعرفي وليس الشخصي ويقصد به الخلاف في الأفكار والأساليب وهو صراع يهدف إلى التعلم والتحسين المستمر وليس للفوز أو الهيمنة.

الصراع

عندما تتعاون مجموعة من الأفراد لحل مشكلة ما يكون ظهور الخلافات والصراعات أمرا حتميا وبخاصة عندما يكون هؤلاء الأفراد متحمسين وشغوفين بما يقومون به. وهذا أمر جيد لأنه عندما تتصادم البدائل والأفكار تخرج أفكار جديدة وحلول أفضل. وبالتالي يؤدي التعاون الذي يجمع بين أفراد مختلفين إلى نشوء صراع بناء يولد المزيد من الأفكار التي تتفوق على سابقاتها بالمقابل يؤدي غياب الصراع إلى خلق حواجز تحول دون الابتكار. ويقول “جيم موريس” المدير العام لاستديوهات “بيكسار” إذا لم يكن لديك صراع فستكون نتائجك عادية.

2/ البديهة الإبداعية

تعتبر ثاني الإمكانات التي تعتمد عليها المؤسسات في وضع الخيارات المختلفة واختبارها والتعلم من النتائج والمحاولة والخطأ ومواصلة التجارب مرارا وتكرار بلا كلل أو ملل.

أوجه التناقض في الحس البديهي الإبداعي

التعلم والتطور مقابل الأداء

على الرغم من أن التعلم والتطور مهمان للغاية فإن الأداء هو العنصر الأهم على الإطلاق. وبالتالي يشجع القادة المبتكرون أعضاء فرقهم على اختبار الأفكار الجديدة باستمرار والتعلم منها ولكنهم يطالبونهم أيضا بالتركيز على الأداء والنتائج في أثناء اختبار أفكارهم وتقييم هذه النتائج. بعبارة أخرى يريد القادة أن يجرب موظفوهم أفكارا جديدة ولكنهم في نفس الوقت يضعون معايير صارمة تحكم كيفية إجراء هذه التجارب وطرق تحليلها. وبالتالي يتم تنفيذ الأفكار المبتكرة بكل جدية حتى يصلوا إلى منتهاها.

الارتجال مقابل التنظيم

تؤدي المغالاة في التنظيم والقواعد والتخطيط إلى إحباط عملية الابتكار ولكن الإفراط في تقليل ما سبق يؤدي إلى الفوضى إلى أي نتائج مفيدة ففي جميع السياقات يساعد الالتزام بقدر بسيط من النظام فرق الابتكار على إنتاج شيء له قيمة. ولكن المعضلة الحقيقية تتمثل في معرفة قدر النظام المطلوب و أتباعه. وحل هذه المسألة يقع على عاتق القائد من خلال:

  • السعي وراء أفكار جديدة وإجراء تجارب عديدة بشكل استباقي.
  • دراسة نتائج هذه التجارب وتحليلها.
  • وضع القرارات والخيارات اللازمة استنادا إلى نتائج التجار والدروس المستفادة منها.

3/ الحل الإبداعي

يعتقد الكثيرون أنه بمجرد التوصل إلى حلول من خلال النقاش والصراع (التفاعل الإبداعي) واختارها بعد ذلك بإتباع منهج التجربة والخطأ (الحس البديهي الإبداعي) لا يتبقى سوى خطوة واحدة بسيطة وهي اختبار أحد الحلول وتنفيذها.
في الواقع لا تعتبر المرحلة الثالثة من عملية الابتكار وهي التوصل إلى حل إبداعي خطوة بسيطة على الإطلاق لأن أفضل الحلول الإبداعية تقوم على الجمع بين الأفكار ما في ذلك الأفكار التي كانت تعتبر متناقضة ومتعارضة في وقت من الأوقات فحتى إذا أجادت إحدى المؤسسات أول خطوتين وتفوقت فيهما فلن تتمكن من التوصل إلى حلول إبداعية من دون اتخاذ قرارات تكاملية.

أوجه التناقض في الحلول الإبداعية

يشوب هذه القدرة جانبان متناقضان:

الصبر مقابل العجلة

يؤدي تحقيق التوازن بين الصبر والعجلة إلى التوصل إلى حلول مبتكرة ولكن المغالاة في أحد الجانبين من دون الآخر قد تؤدي إلى نتائج عكسية ومجددا يجب على القائد الذي يحكم عملية الابتكار الموازنة بين طرح الأفكار الجديدة وبين التوصل إلى نتائج نهائية في الوقت المناسب.

مبادرات المرؤوسين مقابل تعليمات الرؤساء

ينتج الابتكار في معظم الأحيان عن مبادرات المرؤوسين حيث تتولد الأفكار ويتبناها الناس ويحاولون إنجاحها. ومع ذلك لا يمكن لأي مؤسسة أن تزدهر إذا استمر أفرادها في العمل بشكل عشوائي من دون تخطيط وتنظيم فمن الضروري إتباع قدر من التوجيه والالتزام بمجموعة من القواعد. ولكن ما مدى هذا التوجيه وما صرامة هذه القواعد؟ متى تدع مرؤوسيك يطبقون أفكارهم ومتى يتحتم عليك التدخل؟

دور القائد في التوصل إلى حلول إبداعية

تعتبر القدرة على استيعاب جوانب أي مشكلة ككل ثم دمج مجموعة من وجهات النظر والأفكار لحلها جزءا مهما من عملية الابتكار. فهذه القدرة كانت هي الشغل الشاغل لقادة مثل “نايار – كاتمول” ولكن لسوء الحظ يندر التوصل إلى حلول فعالة وحقيقية في الحياة الواقعية فمعظم القرارات يتم اتخاذها بناء على اختيار أحد الآراء على حساب الآراء الأخرى أو من خلال الفصل بين الاختلافات الموجودة ين البدائل بينما المطلوب فعلا هو اتباع عملية سليمة لصنع القرار. وهذه بعض الإجراءات التي يمكن أن تساعد كل من يقود عملية الابتكار ويسعى إلى التوصل إلى حل إبداعي:

  1. يعمل القادة على توجيه مؤسساتهم إلى الحلول المبتكرة من خلال الانفتاح على العديد من الخيارات المتاحة فأفضل الحلول تظهر عندما يأخذ الفريق جميع الحلول والخيارات بعين الاعتبار بدلا من أن يختار أحدها على حساب الآخر وحينئذ يتمكن الفريق من العمل في خضم تعقيدات هذه الحلول المتشابكة دون اختيار أحدها كحل دائم. لتحقيق هذا الغرض يتأكد قادة الابتكار من وضع ممارسات سليمة وقيم مشتركة ونظم وقواعد تعزز عملية صنع القرار التكاملي.
  2. يوفر القادة مساحة للتكامل بالحفاظ على بساطة بيئة العمل ومرونتها والانفتاح على الآراء المختلفة. فالمؤسسات المنمقة التي تعمل بقواعد ونظم وسياسات معقدة و متعنتة تميل إلى إحباط عملية التفكير التعاوني والتواصل الذي يؤدي بدوره إلى ازدهار التكامل. وبالمقابل يستعرض القادة الذين يدعمون عملية الابتكار الأنظمة و التدرجات الوظيفية من جميع الزوايا ويوظفونها كأداة مرنة تعزز عملية الاكتشاف التعاوني والتوصل إلى حلول إبداعية.
  3. يتولي القادة الذين يشجعون على الابتكار زمام الأمور بشكل مختلف. وذلك من خلال تجنب اتخاذ القرارات من منصة السلطة والزج بكل فريق في دوامة التجربة ليكتشف بنفسه أوجه القوة ونقاط الضعف الكامنة في طيات أفكاره ويمكن لأي قائد خلق مناخ يسمح لكل فريق على حدة بتطوير أسلوبه والانتقال إلى المرحلة التالية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *