الكساد الكبير

حظيت الولايات المتحدة أيضا بنصيبها من الفقاعات. في مطلع عشرينيات القرن الماضي، كان يستحوذ – بوجه عام – على السوق الأغنياء الكسالی الذين كانوا يشترون الأسهم ويبيعونها في أوقات فراغهم. كانت أسعار الأسهم متقلبة وكانت تصعد وتهبط خلال معظم العقد، لكن بحلول عام ۱۹۲۷ كانهناك اتجاه قوي للصعود (أي سوق صاعدة) وحتى صغار المستثمرين أصبحوا مغرمين بسوق الأسهم.
ومع ظهور الشراء بالائتمان، استطاع أبناء الطبقة المتوسطة شراء سيارات وغسالات ومكانس كهربائية وملابس وأجهزة راديو- وهي أشياء لم يكن يستطيع تحمل تكلفتها إلا الأثرياء. وفي الوقت نفسه، ازداد إنتاج الفولاذ وتصنيعه.

ونتيجة لذلك، ازدهرت سوق الأسهم، وهي حقيقة كان يتم الترويج لها بشكل مستمر في الصحف، وكانت العناوين الرئيسية على غرار “إنها سوق صاعدة”. وسرعان ما انتاب الجميع الحلم بأن يصبحوا أثرياء من خلال الاستثمار في الأسهم، بما في ذلك أشخاص لم يسبق لهم الاستثمار من قبل. واعتقد بعض الناس أن سوق الأسهم سترتفع للأبد.
هؤلاء الذين لم يستطيعوا تحمل تكلفة شراء الأسهم استطاعوا شراءها على الهامشي بأسعار فائدة مواتية للغاية. وكان الهامش المطلوب منخفضا لدرجة أنه يصل إلى 10 إلى 1؛ وبالتالي إذا كنت ستستثمر 1000 دولار (ثروة صغيرة في تلك الأيام)، فإن شركة السمسرة ستقرضك ۹۰۰۰ دولار إضافية.

بدا الأمر كان الجميع يستثمرون في سوق الأسهم. ومع تزايد الأشخاص الذين يدخلون سوق الأسهم، ارتفعت أسعار الأسهم أعلى وأعلى. وبطريقة ما، كان الأمر يشبه مخطط بونزي كبيرا.
كان توجه إدارة الرئيس كالفين كوليدج هو Laissez- faire ، وهو مصطلح فرنسي معناه “دع الأمور تأخذ مجراها”. فلقد أرادت حكومة الولايات المتحدة أن تدع قوة الرأسمالية تعمل دون تدخل منها. وبينما صارت سوق الأسهم أكثر تزعزعا وساءت حالة الاقتصاد، أدرك الرئيس الجديد “هربرت هوفر” أنه لابد من القيام بشيء. كان الهدف تضييق الهامش المطلوب دون التسبب في حالة ذعر، ولكن لسوء الحظ، انتابت المستثمرين حالة من الذعر.

وبعد سلسة من التوقفات والبدايات المخيفة، انهارات السوق في النهاية في ۲4 أكتوبر ۱۹۲۹. وقبل الظهيرة، تلاشي ما يزيد على 10 مليات دولار من أموال المستثمرين، امتلأت صالة الزوار في بورصة نيويورك بجموع حاشدة من المستثمرين الغاضبين والمصدومين لمشاهدة الهزيمة. وبحلول الظهيرة كانت السوق في دوامة موت”.
أصيب المستثمرون حول العالم بالهلع من اتساع نطاق الضرر المالي. وبحلول ۲۹ أكتوبر۱۹۲۹، تلاشت أرباح السوق من العام السابق (لكن تلك كانت البداية فقط). فعلى مدار السنوات الثلاث التالية، هبطت السوق بمقدار ٪۸۹ من أعلى نقطة وصل إليها في عام ۱۹۲۹ وكانت ۳۸۱ نقطة.
كان الهامش أحد أسباب انهيار السوق في عام ۱۹۲۹. أثناء هبوط السوق، الأشخاص الذين اشتروا الأسهم على الهامش لم يكن لديهم مال لسداد ما استدانوه، فاضطر المستثمرون في ذلك الحين لبيع الأسهم بأي ثمن لجمع نقود لسداد دين الهامش، وتدخلت البنوك وشركات السماسرة للاستحواذ على حسابات مدخرات الناس والمنازل وأي شيء آخر استطاعوا الحصول عليه. وهكذا تحولت السوق من حالة ازدهار في عام ۱۹۲۸ إلى إخفاق في عام ۱۹۲۹.

وبعد الانهيار، حاول علماء الاقتصاد تبين الأخطاء التي وقعت. كان من الواضح أن الكثير من الناس لم ينتبهوا إلى العلامات التي تشير إلى أن أسعار السوق مبالغ فيها، فعلى سبيل المثال، نسب السعر إلى الأرباح للكثير من الأسهم كانت مرتفعة للغاية وتتخطى بكثير المعيار التاريخي لنسبة السفر إلى الأرباح ألا وهي ۱۵، بالإضافة إلى أن الاحتياطي الفيدرالي قرر رفع أسعار الفائدة، وهو ما اعتبره الكثير من علماء الاقتصاد خطوة غير صحيحة, وكان للكونجرس أيضا يد في تحويل الركود إلى کساد تام. فعلى سبيل المثال، خلال هذه الفترة، ضاعف الكونجرس ضرائب الدخل ورفع التعريفات الجمركية على الواردات والصادرات.

كانت هنالك مشكلة أخرى وهي أنه كان يسمح للبنوك بأن تعمل بقليل من القيود فيما يتعلق بمقدار ما يمكنها إقراضه. بعد الانهيار، لم يجد الكثير من عملاء البنوك سبيلا لسداد الأموال التي اقترضوها؛ ما أجبر الكثير من البنوك على إنهاء عملها، وفي النهاية، اعتقد الكثير من الناس أن اللوم يقع على الاحتيال ونشاط المسئولين في الشركات. وبعد الانهيار المبدئي، دخلت الولايات المتحدة في سوق هابطة لمدة ثلاث سنوات، ووصل مؤشر داو في النهاية لأدنى مستوى له عند 41 نقطة في عام ۱۹۳۲.

أخذ الرئيس الجديد “فرانكلين ديلانو روزفلت” خطوات غير مسبوقة | لجلب الاستقرار والثقة إلى السوق. في عام 1934، أنشأ الرئيس هيئة الأورق المالية والبورصات الأمريكية، وهي هيئة حكومية مسؤولة عن التأكد من أن سوق الأسهم تدار بعدل وتحمي المستثمرين.
كان وول ستريت متشككا بشأن السماح للحكومة بالتدخل في القطاع الخاص، لكن الخطوات التي اتخذتها الحكومة في النهاية ساعدت على تغيير مسار السوق، ومع ذلك، فقد استغرق الأمر من مؤشر داو ۲۰ سنة ليعود إلى ۳۸۱ نقطة، معظم الأشخاص الذين اشتروا أسهما في عام ۱۹۲۹ لم يعيشوا ليروا أسهمهم تعود لنقطة التعادل.
وعلى الرغم من أن السوق نالت حصتها من حالات الازدهار والإخفاق على مدار السنوات، فإن انهيار وكساد ۱۹۲۹ كان حدثا نادرا للغاية ولا نأمل تكراره في المستقبل.

مقالات مهمة عن الاسهم

استراتيجيات التداول

شروحات تهمك عن الاسهم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *